قليلة هي المؤلفات عن قلعة دمشق رغم كونها أحد أهم المعالم الأثرية داخل سور المدينة وأكبر هذه المعالم على الإطلاق من ناحية المساحة ألا وهي ٣٤٥٠٠ متر مربع (١٥٠ في ٢٣٠). للمقارنة مساحة جامع بني أمية الكبير أقل من النصف أي ١٥١٣٢ متر مربع (٩٧ في ١٥٦) ولكن تجدر هنا الإشارة أن أكبر منشئات دمشق بلا منازع من الناحية التاريخية يبقى معبد جوبيتر الهائل المساحة التي بلغت ١١٧٠٠٠ متر مربع ولا تزال بقاياه في محيط الجامع شاهدة على أيام مجده الغابر.
يوجد بطبيعة الحال كثير من المقالات عن القلعة علاوة عن فصول تعالجها ببعض التفصيل متناثرة هنا وهناك في كتب التاريخ والعمارة ولكن على حد علمي الأسفار مخصصة لهذا المبنى العتيد قليلة للغاية (هناك بالطبع دراسة الدكتور عبد القادر ريحاوي رحمه الله) خلافاً للجامع الأموي. يبقى هذا الأخير أهم من القلعة نظراً لمكانته الدينية وأسبقيته الزمنية ولكن يمكن القول دون مبالغة أن القلعة ثاني أهم معالم دمشق وأن ما كتب عنها أقل بكثير مما تستحق ويبقى إسهام المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه Jean Sauvaget (١٩٠١ - ١٩٥٠) أحد أهم الجهود في هذا الصدد في مقالين نشرهما باللغة الفرنسية في مجلة "سوريا الفن الشرقي والآثار" عام ١٩٣٠.
عدد صفحات المقالين الإجمالي ٧٤ ويشمل هذا الرقم العديد من الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود والملتقطة في عشرينات القرن الماضي. يتعين هنا التنويه لكثرة العقبات التي واجهت العالم الفرنسي ومنها تقنية الإنارة السيئة واستعمال أقسام من المبنى كسجن وصعوبة دراسة الجدار الغربي الذي كان سوق الخجا القديم يغطيه في ذلك العهد (وإلى أن هدم في الثمانينات).
رغم كل هذه العوائق تمكن سوفاجيه بمواظبته ومهنيته من رسم صورة أكثر من معقولة لهذا الكنز الوطني وأكتفي هنا ببعض رؤوس الأقلام بهدف التعريف ليس غير:
تحتل القلعة الزاوية الشمالية الغربية لمدينة دمشق داخل السور وهي تقريباً بشكل مستطيل اللهم إلا زاويتها الشمالية الغربية التي تتبع مجرى فرع نهر بردى (بانياس-العقرباني). يعتقد المؤلف أن حصناً رومانياً castrum شغل هذا المكان أو كاد (ولم يعثر على دليل لوجوده حتّى اليوم) ويضيف أن نفس الموقع شغلته قلعة في العهد السلجوقي ثم عهد صلاح الدين الذي مات ودفن بها قبل أن ينقل رفاته إلى الضريح المعروف شمال الجامع الأموي ولكن القلعة الحالية تعود لمطلع القرن الثالث عشر الميلادي وعهد الملك العادل شقيق صلاح الدين.
تحتفظ قلعة دمشق وبحالة جيدة بمنشئاتها الأيوبية خلافاً لقلعة حلب والتي لم يبق فيها من العهد الأيوبي- الصليبي إلا مدخلها وجامعها بينما يعود سورها إلى العهد العثماني. حالة قلعة حمص أسوأ أما قلعة حماة فقد اندثرت أو كادت. خضعت قلعة دمشق بالطبع للترميم أكثر من مرة خلال تاريخها الطويل خاصة في أعقاب حملات المغول والتتار وعملياً تمت معظم هذه الترميمات في العهد المملوكي ولكنها لم تعدل أو تغير الإطار الأيوبي. تشير الأدلة إلى ترميمات هامة في العهود التالية: الظاهر بيبرس، المنصور قلاوون، محمد ابن قلاوون، نوروز الحافظي (مطلع القرن الخامس عشر)، وقانصوه الغوري. الترميمات في العهد العثماني لا تستحق الذكر وعل ذلك عائد لفقدان القلعة لأهميتها العسكرية بالتدريج.
نأتي الأن لوصف سريع للمنشأة ويمكن معاينة مواقع الآثار على المخطط التالي:
عدد أبراج القلعة ١٢ وحالتها تختلف فمثلاً البرج الذي يتوسط السور الشمالي في حلة سيئة وهو مدخل القلعة من خارج المدينة وكون أهميته عسكرية دفاعية بالدرجة الأولى فهو متعرج. يحتوي هذا البرج-المدخل على باب الحديد والضريح المفترض للصحلبي أبي الدرداء. يقول المؤلف أن الطارمة rotonde (نوع من المقصورة) كانت تعلو هذا البرج ومنها كان الحاكم يشرف على العروض العسكرية تحت سور المدينة في موقع سوق الخيل ولكن موقع الطارمة حسب البعض كان في البرج الشمالي الغربي.
باب الحديد أو باب القلعة الشمالي |
باب القلعة الشرقي يطل على سوق العصرونية داخل المدينة وخلافاً للباب الشمالي المتقشف فهذا الباب غني بالنحوت والمقرنصات الجميلة. يمكن هنا الإشارة إلى باب ثالث يسمى باب السر يعتقد أنه كان يقع في السور الغربي وأن المماليك كانوا يستعملونه لمغادرة القلعة والدخول إليها بعيداً عن الأنظار.
باب القلعة الشرقي على سوق العصرونية داخل سور المدينة |
يعتقد أن قصر السلاطين الأيوبيين كان يحتل الزاوية الجنوبية الغربية للقلعة.
لا مجال هنا للدخول باتفاصيل التقنية والمعمارية لأسوار وأبراج القلعة وإن وجبت الإشارة أن الوظيفة الدقيقة التي توخاها البناة لكل برج وكل ممر وكل بهو لا تزال غير واضحة في يومنا ناهيك عن عهد انتداب فرنسا وجان سوفاجيه.
أبراج القلعة الجنوبية من الداخل ومن الغرب إلى الشرق وفي الخلفية الجامع الأموي |
الحائط الساتر (بين برجين) في سور القلعة الشرقي |
No comments:
Post a Comment