Tuesday, March 21, 2017

خطط دمشق للحافظ ابن عساكر

كان لابن عساكر الدمشقي (الإمام العالم الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي) 1105-1076 للميلاد فضل وأسبقية تأليف أول دليل طبوغرافي لمدينة دمشق (أو على الأقل الأول الذي لا يزال موجوداً) ويبقى عمله أساس كل الدراسات الطبوغرافية لها ولمعالمها كما كانت في القرون الوسطى إذ استقت منه جميع المؤلفات اللاحقة وأهمها عمل ابن شداد بعد مئة عام (أي في القرن الثالث عشر الميلادي) والنعيمي (مات عام 1521). 

كثيرة هي أعمال ابن عساكر التي وزعها على عشرات المجلدات وهي بالدرجة الأولى تراجم biographies وموضوع البحث هنا الجزء المتعلق بمدينة دمشق الذي حققه صلاح الدين المنجد ونشره المجمع العلمي العربي (أسسه الراحل محمد كرد علي) عام 1954.  



شهد عام 1959 نشر ترجمة خطط دمشق إلى اللغة الفرنسية للعالم نيكيتا إليسييف Nikita Elisséeff 1915-1997  من قبل المعهد الفرنسي في دمشق Institut Français de Damas  ولكن من العدل التنويه أن إسهام إليسييف أكثر بكثير من ترجمة أمينة لهذا العمل الذي لايقدر بثمن كونه أغناه بالشرح والإيضاح عن طريق الحواشي والتعليقات التي تتعرض لأدق التفاصيل بأسلوب علمي ومهني لا تشوبه شائبة. ليس من السهل في يومنا هذا الحصول على نسخة من الطبعة الأصلية ولحسن الحظ أعيد طبع الكتاب عام 2008 بمناسبة إختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية. 



يمكن إختزال منهجية ابن عساكر بكلمتين "التعداد والإسناد" فهو حريص للغاية أن يذكر مصادره والتي فقدت بالكامل تقريباً وأقدمها (المقصود هنا المصادر الطبوغرافية) يعود للقرن التاسع الميلادي والتوكيد على هذه النقطة شديد الأهمية إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه يتعرض لحوادث أقدم من ذلك بكثير وعلى سبيل المثال بناء الجامع الأموي في مطلع القرن الثامن. للتوضيح تاريخ ابن عساكر أقرب ما يكون إلى ترديد ما سمعه شفهياً عن محدثين (وليس مؤرخين) سمعوا بدورهم من محدثين قبلهم على طريقة صحيح البخاري ومسلم وغيرها من "الصحاح" وتجدر الإشارة هنا أنه بمقاييس القرون الوسطى الإسناد لا يقل أهمية إطلاقاً عن المتن (النص) وأحياناً يفوقه أهمية. بعبارة أخرى كلما دقق الكاتب وأسهب في الإسناد كلما زات مهابته كضليع ومتبحر في علوم ذاك الوقت. 

هذا عن الإسناد فماذا عن التعداد؟

هنا لا يملك الفاحص المدقق إلا أن ينحني احتراماً للجهود التي بذلها المؤلف وبوسائل بدائية كي يوثق معالم مدينته ميدانياً ومنهجياً من معابد ومنازل علية القوم وأقنية وحمامات وأبواب ومقابر بداية بالمعالم الواقعة ضمن سور المدينة ونهاية بضواحيها والقرى المحيطة بها وهو يتبع في ذلك اتجاهاً معيناً (في حال الجوامع مثلاً بداية من الغرب وباب الجابية) ويغطيه بالكامل قبل أن ينتقل للتالي وبإمكاننا بالتالي أن نرافق (إذا جاز هذا التعبير) ولو بالخيال ابن عساكر في مساره حول المدينة للتعرف على شوارعها وأزقتها وما احتوته هذه الدروب من المعالم وقتها. 

فلننظر على سبيل المثال إلى الطريقة التي اعتمدها الكاتب في سرده لجوامع دمشق. إذا استثنينا الأموي فلا توجد من الناحية العملية  معلومات تذكر عن أي معبد أو مبنى إذ لا يتجاوز ما كتبه ابن عساكر عن أي جامع عادةً أسطر معدودة (2-3) تذكر اسم المسجد والحارة التي يوجد فيها والمبنى أو المباني المهمة والأسواق التي تجاوره وإذا كان له وقف وإمام ومؤذن وإذا كان فيه سبيل للمياه.  

من نافل القول أن الغالبية العظمى من هذه المعالم اندثرت أو تغيرت حتى أصبحت أو كادت لا تمت للماضي بصلة وأن أسماء العديد من الدروب والحارات والأسواق والقرى تختلف في يومنا (اللهم إن كانت لا تزال موجودة) عما كانت عليه قبل ثمانية قرون ومع هذا فقد سمح عمل ابن عساكر لإلسييف استناداً على دراسات العالمين الألمانيين فولسينجر وفاتسينجر  Wulzinger  و   Watzinger  برسم خريطة طبوغرافية للمدينة كما كانت في القرن الثاني عشر للميلاد وتحديداً في عهد الأتابك نور الدين زنكي كما نرى في الخريطتين الملحقتين للمدينة والمنطقة المحيطة بها. 




http://www.ifporient.org/en/node/479

http://www.ifporient.org/node/478

No comments:

Post a Comment