Saturday, March 25, 2017

سوريا والديار المقدسة

كتاب صدر عام 1922 لمؤلفه الأمريكي فرانك كاربنتر 1855-1924. عدد صفحات الكتاب قرابة 300 وتزينه 96 صورة تاريخية بالأبيض والأسود مع خريطتين إحداهما لفلسطين والثانية للشرق الأدنى وكل هذا موجود بالمجان بصيغة PDF لمن يهمه الإطلاع على النص الكامل. كان السيد كاربنتر غزير الإنتاج إذ ألف العديد من الكتب الموجهة للرحالة ومن يريد التعرف على شعوب وثقافات متنوعة وموزعة عبر مختلف القارات. علاوة على ضلوعه بالجغرافية كان كاربنتر مصوراً موهوباً يكتب بلغة سهلة المتناول مما أسهم في شعبية أعماله ورواجها بين أعوام 1915 إلى 1930. 



تجدر هنا الإشارة إلى خلفية الكاتب والإطار الزمني والمكاني لعمله. نستشف من استعمال السيد كاربنتر لتعبير "مخلصنا" أنه مسيحي ولكن عندما نتابع القراءة نلاحظ أنه أولاً وآخراً غربي ولا يكن لمسيحيي الشرق الكثير من الاحترام ويضعهم على مستوى واحد مع المسلمين أو حتى دونهم عندما يشير إلى شجار الطوائف المسيحية الصبياني بين بعضها وكيف يتدخل الجنود المسلمون لفك هذا الشجار وبالتالي فما نراه في الصورة التالية التي تزف عودة "الحكم المسيحي للأراضي المسيحية" مع دخول الجنرال اللني إلى القدس يجب بالأحرى أن يفسر كعودة "الحكم الغربي". بالطبع هذا الكتاب صدر خلال فترة وجيزة من نهاية "الحرب العظمى" أو ما يسمى حالياً بالحرب العالمية الأولى وما رافقها من طرد العثمانيين وتصريح بلفور وإعادة رسم خريطة الشرق الأدنى. 



عندما يقول الكاتب "سوريا" فهو يعني سوريا الجغرافية والتي تشمل ما كان وقتها فلسطين وما صار في يومنا اسرائيل. الكتاب موزع على 33 فصلاً 24 منها مخصص لفلسطين وهذا طبعاً لأهميتها الدينية أولاً ولكونها الإقليم الذي تسارعت فيه التغيرات بفضل الحركة الصهيونية والتدخل البريطاني والتي أدت بعد ربع قرن إلى طفرة سياسية وديموغرافية عام 1948 لا شبيه لها في المنطقة. أخذت دمشق 3 فصول من الكتاب وتوزعت بقيته بين بيروت وبعلبك وأرمينيا. 

تحتل الحركة الصهيونية مكان الصدارة في الكتاب أو تكاد ولم يقصر المستر كاربنتر في استعمال مصادرها ومراجعها بل وأورد حديثاً له مع اسرائيل زانغويل. حسب ما أورده قدر عدد يهود العالم وقتها بحوالي 15 مليون منهم 10 مليون في أوروبا الشرقية أما بالنسبة لفلسطين فلم تتجاوز نسبتهم وقتها 10% من سكانها. هنا تتعين الإشارة أن هجرة اليهود إلى فلسطين بدأت قبل الإنتداب البريطاني بعشرات السنين وكانت (بالذات للقدس)  ذات طابع ديني إذ كما نرى في الصورة التالية كان العديد منهم يقصدونها بهدف أن يقضوا فيها آخر أيامهم وأن يدفنوا في ترابها.   



في محاولة منه لإعطاء ما قدر أنه وصف حيادي للخلاف العربي الصهيوني حرص الكاتب أن يورد حجج العرب وليس فقط المهاجرين اليهود والصهاينة ولكن لا يحتاج المرء لكثير من العناء ليدرك أن الكاتب كان أكثر تعاطفاً مع الصهاينة إذ أنه يتبنى ادعائهم أنهم "جعلوا الصحراء تزهر" (الصورة التالية)  شعورياً أو لا شعورياً عندما يقارن بين المستعمرات اليهودية المزدهرة والمدن العربية القذرة. ليس في نيتي أن أسهب في آرائي الشخصية عن هذا الموضوع ولكن لا مناص لأي مراقب شبه محايد من الإقرار بأن المقارنة بين بلاد استنزفت مواردها حروب شعواء وبين الحركة الصهيونية التي مولتها بسخاء أوروبا وأمريكا وقتها هي مقارنة بعيدة عن العدل. أضيف فأقول أن فلسطين لم تكن بكاملها صحراء قبل الإنتداب البريطاني وأن اسرائيل اليوم لا تخلوا من الصحاري رغم البلايين التي صبت فيها بداية من ألمانيا ونهاية بالولايات المتحدة الأمريكية.  



لا بد من الإقرار أن الصهاينة وظفوا أموالاً طائلة في فلسطين وأن هذا أدى إلى انتعاش الإقتصاد الفلسطيني ولكن الكاتب للأمانة يذكر كما نرى في الصورة التالية أن بعض اليهود المهاجرين كانوا يستنكرون قيام بعضهم الآخر بتوظيف العمالة العربية. الأموال كانت -ولا زالت-  مخصصة بالدرجة الأولى لليهود و "وطنهم القومي" في فلسطين. 



هذا لا يعني أن فترة الإنتداب البريطاني -رغم النكبة التي ختمتها عام 1948- كانت سلبية 100% لعرب فلسطين حيث أن السلطات عنيت بتحسين الصحة العامة وتأمين المياه النظيفة وتزويد القدس بشبكة للصرف الصحي. أضيف فأقول أن بعض عرب الدول المجاورة  قصدوا فلسطين في الفترة بين الحربين طلباً للعمل ومنهم جدي رحمه الله. من نافل القول أن من استخدم العمالة العربية هم الإنجليز وليس الصهاينة. الصورة التالية لنهر الأردن والذي توقع الكاتب أن التعاون البريطاني-الصهيوني سيؤدي إلى استغلال مياهه للتروية والتشجير وتوليد الطاقة.


قبيل نهاية الكتاب يطنب الكاتب في مدح فضائل التعليم الأمريكي في الشرق الأدنى من مصر وتركيا (Robert College) إلى الجامعة الأمريكية في بيروت والذي فتح أبوابه للطلاب بغض النظر عن دينهم ولكن على اعتبار أن جامعة بيروت هي بالنتيجة مؤسسة تبشيرية (اسمها الأصلي الكلية السورية البروتستانتية) فقد ألزمت تلاميذها من جميع المعتقدات بتعلم الكتاب المقدس وحضور الصلاة ولست أدري إذا كانت هذه الأنظمة لا تزال سارية في يومنا هذا. 

  
ختاماً أقول أنه وبصرف النظر عن موافقتنا على آراء الكاتب السياسية لا يسعنا إلا الإعجاب بسعة معلوماته وطلاوة أسلوبه. للذين لا يملكون الوقت أو الصبر لقراءة الكتاب الخيار بأن يستمتعوا بصوره البديعة على الرابط التالي. 

https://archive.org/stream/holylandsyria00carp#page/n0/mode/2up


No comments:

Post a Comment