Saturday, April 16, 2016

ألبرت حوراني وطريق سوريا ولبنان إلى الإستقلال

ألبرت حبيب حوراني (1915-1993) مؤرخ و أكاديمي بريطاني من أصول سورية (أو عثمانية أو لبنانية كون عائلته من مواليد ما يعرف حالياً بجنوب لبنان) و قد صدر كتابه "سوريا و لبنان" عام 1946 عن مطابع جامعة أكسفورد.





يتابع حوراني على مدى 400 صفحة تطور الكيانات السورية و اللبنانية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. يستهل البحث بتعريف جغرافي لسوريا و كيف تطور هذا المفهوم في مطلع القرن العشرين ليقتصر بالنتيجة على سوريا الشمالية (أي ناقص الأردن و فلسطين) ثم يعطي  لمحة تاريخية سريعة بداية من الآراميين و الكنعانيين و الفينيقيين و العبريين و نهاية بإنحطاط و سقوط الإمبراطورية العثمانية و يقوم بعدها بإستعراض للحرب العالمية الأولى في مسرح الشرق الأدنى و التسوية التي جرت بعدها بين الحلفاء المنتصرين و تقسيم سوريا و العراق إلى مناطق نفوذ بين فرنسا و إنجلترا. 






الخريطة العليا تمثل الخطوط العريضة لإتفاقية سايكس بيكو المشهورة عام 1916 بين فرنسا و بريطانيا و السفلى الكيانات المنتدبة من قبل هاتين الدولتين عام 1922



إحصاء سكان سوريا (1938) و لبنان (1942) حسب المقاطعات و لا يشمل نصف مليون بدوي في سوريا كما لا يشمل لواء إسكندرون. من الواضح أن الكثافة السكانية في لبنان كانت و لا زالت أكثر من سوريا




يخصص الكاتب حيزاً لا بأس به لدراسة الوضع في المنطقة عشية الحرب و التوازن الطائفي أو ما عرف بنظام "الملة" تحت العثمانيين تحتفظ بموجبها كل طائفة بإستقلال نسبي في إدارة أمورها الدينية و العشائرية ثم يتعرض لتغلغل النفوذ الغربي و الأوروبي الإقتصادي و الفكري قبل أن يعرج على صعود القومية العربية و تنامي الهجرة اليهودية عبر المشروع الصهيوني. 

يبحث الكاتب بالتفصيل موضوع الأقليات ليس فقط الدينية و إنما أيضاً الإثنية و اللغوية (أكراد، أرمن، شركس، تركمان) مع تركيز خاص على لبنان و كيف ركز الغربيون على تعزيز نفوذهم من خلال التعاون مع بعض هذه الطوائف منذ قرون بداية من عهد شرلمان مروراً بالصليبيين و نهاية بنظام الإمتيازات في العهد العثماني. 


التعليم في سوريا و لبنان عام 1938. عدد المدارس و الطلاب في لبنان أكثر من سوريا مجتمعة رغم كون سوريا أكبر مساحة و أكثر عدداً

توزيع سكان سوريا (عام 1938) و لبنان (إحصاء 1932) حسب الطوائف




يدخل حوراني بعدها في صلب الموضوع ألا و هو الإنتداب الفرنسي (صادقت عصبة الأمم عليه 7 تموز 1922) و تقلباته و المحاولة الفاشلة للوصول إلى معاهدة بين فرنسا و سوريا عام 1936 "تستقل" بموجبها هذه الأخيرة و من ثم التنازل عن لواء إسكندرون لصالح تركيا (وقع الفرنسيون و الأتراك الإتفاقية في 23 حزيران 1939). 

نجم عن الحرب العالمية الثانية و هزيمة الألمان للفرنسيين تدهور كبير في وضع فرنسا في الشرق الأدنى و كان لهذا الباع الأطول في إعلان الجنرال كاترو لإستقلال سوريا (28 أيلول 1941) و قد حاول الفرنسيون جهدهم لإقناع السوريين بقبول إتفاقية تحكم العلاقات بين البلدين على غرار معاهدة 1936 التي رفض البرلمان الفرنسي تصديقها في حينه و لكن المفاوض الفرنسي في الأربعينات كان أضعف كثيراً من سلفه في الثلاثينات و لم يكن الإنجليز في صدد التعاون مع الفرنسيين و إستغل المفاوض السوري الوضع العالمي الجديد و نتج الجلاء (و الذي سبقه إعتراف الإتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة بسوريا عام 1944) عن الضغط البريطاني على فرنسا (كما ضغطت الولايات المتحدة على فرنسا و بريطانيا و إسرائيل عام 1956 و نجم عنه إنسحاب إسرائيل من سيناء عملياً صفر اليدين) و طبعاً حاولت سوريا و لبنان "رد الجميل" بإعلان الحرب على ألمانيا في شباط 1945 و الذي ينطبق عليه المثل الشامي "الله يطعمك الحج و الناس راجعة". 

لم يكن تدهور بريطانيا واضحاً وقتها لمعظم الناس العاديين و لربما أيضاً لكثير من الساسة و المفكرين الإنجليز بما فيهم الأستاذ حوراني. ما نعلمه الآن عن خسائر إنجلترا في الحرب و خروجها منها مثقلة بالديون غفل عنه الكثيرون وقتها و هم يشاهدون بريطانيا تتعامل ظاهرياً مع الروس و الأمريكان من موقع ندية و إقتضى الأمر عقداً إضافياً من الزمن و أزمة السويس عام 1956 حتى يعرف البريطانيون محلهم من الإعراب و قد إلتزموا منذ ذلك الوقت بالخط الأمريكي بأمانة و حذا الفرنسيون حذوهم بالنتيجة لربما بإستثناء عهد ديغول إلى حد ما. 

No comments:

Post a Comment