Wednesday, April 20, 2016

سوريا من الإستقلال إلى الوحدة


صدر كتابان عن التاريخ السياسي لسوريا بين 1945-1958 الأول بعنوان "السياسة السورية و العسكريون" للأمريكي غوردن توري (1919-1995) و كان هذا مستشاراً لحكومة الولايات المتحدة لشؤون الشرق الأدنى و خدم في المخابرات المركزية بين 1956-1974 أما الكتاب الثاني "الصراع على سوريا" فهو للصحافي المعروف باتريك سيل (1930-2014) و هو بريطاني من مواليد إيرلندا و قد كتب عن سوريا خصوصاً و القضايا المتعلقة بالنزاع العربي الإسرائيلي الكثير على مدى نصف قرن.





صدر كتاب توري عن جامعة أوهايو عام 1964 و تلاه كتاب سيل عن جامعة أوكسفورد عام 1965. ترجم كلاهما ترجمة أمينة إلى العربية منذ نصف قرن و عل الحصول على نسخة من كتاب سيل إنجليزية كانت أو عربية أكثر سهولة حيث أعيد طبعه أكثر من مرة.






يعالج الكتابان بالطبع نفس الأحداث بداية من إستقلال سوريا و إنقسام الكتلة الوطنية إلى "الحزب الوطني" المتمركز حول الزعامات الدمشقية و "حزب الشعب" المعارض للقوتلي و الذي يتصدره أعيان حلب. مع حلول عام 1949 بدأ عهد الإنقلابات و حكم العسكر مع حسني الزعيم إلى مطلع عام 1954 و سقوط أديب الشيشكلي. عادت سوريا بعدها إلى "الديمقراطية" و تعدد الأحزاب و تجدر هنا الإشارة إلى تحالف حزب البعث مع أكرم الحوراني و الذي دعم البعثيين إلى حد كبير عن طريق علاقاته مع ضباط الجيش و نفوذه في حماة.  كرست إنتخابات عام 1954  صعود نجم البعث (و إن كان لا يزال في الأقلية) و اليسار على حساب الزعامات و الأحزاب التقليدية و كان من أهم نتائج هذه الإنتخابات تقهقر حزب الشعب المؤيد للتقارب مع الهاشميين و مشروع "الهلال الخصيب". يذكر توري (صفحة 41)  أن عدد الجرائد في دمشق عام 1952 بلغ 18 و في حلب 11 و لكنه يضيف أنها كانت محدودة التوزيع أولاً (1400-1880 نسخة) و أن المنشورات السياسية الحيادية و المستقلة كانت معدومة ثانياً.



مقارنة بين الإنتخابات النيابية في عامي 1949 و 1954. من أهم نتائج هذه الأخيرة صعود المستقلين (أبرزهم خالد العظم) و البعثيين على حساب بقايا الكتلة الوطنية خصوصاً حزب الشعب




جرت تصفية الحزب القومي السوري الإجتماعي في أعقاب إغتيال عدنان المالكي في نيسان 1955 و تعاظم بعدها دور اليسار في السياسات السورية خاصة مع إزدياد هيبة و نفوذ عبد الناصر في العالم العربي مع أزمة السويس عام 1956 و المواجهة بينه و بين حلف بغداد. 

إشتد التوتر السياسي في سوريا عام 1957 و أقلق تحالف خالد العظم مع الشيوعيين الكثيرين و منهم البعثيون الذين إعتقدوا أن الوحدة مع مصر قد تخدم مصالحهم و كان لحزب البعث الباع الأطول في دفع سوريا إلى الوحدة و قبول جميع شروط عبد الناصر و أهمها أن تكون الوحدة إندماجية بينما كان الكثيرون أميل لإتحاد فيدرالي أكثر مطاطية و بالنتيجة حسمت مجموعة من الضباط السوريين الخلاف و وضعوا حكومتهم أمام الأمر الواقع. 


يركز سرد توري على تذبذب السوريين بين الحياة البرلمانية (أو الديمقراطية إذا أردنا) و الدكتاتورية العسكرية و كيف فشل السوريون في هذه و تلك لعوامل عديدة تتعلق بضعف الهوية السورية و تفشي الطائفية و العشائرية ناهيك عن القوى الخارجية و يختم كتابه بصفحات قليلة يتحدث فيها عن فشل الوحدة و الذي ساعد عليه فترة طويلة من المصاعب الإقتصادية (و السياسات الإشتراكية الفاشلة) و القحط و الجراد و يضيف أن عبد الناصر كان متردداً في قبول الوحدة في البداية والتي أجهز عليها بالنتيجة مجموعة من الضباط السوريين ذوي الميول المحافظة. 
باتريك سيل يعالج الموضوع ذاته من منظور مختلف ألا و هو سوريا كجائزة يتنازعها محور القاهرة - الرياض و محور عمان - بغداد على المستوى الإقليمي و الذي يشمل لاعبين أقوياء أهمهم إسرائيل و تركيا و من خلفهم من القوى العظمى. كتاب سيل أسلس حبكة و أكثر تنظيماً و لربما أقوى حجة. يبقى الكتابان بعد 50 سنة من نشرهما أفضل الموجود عن مطلع إستقلال سوريا. 



No comments:

Post a Comment