Saturday, April 9, 2016

فيليب خوري وولادة سوريا الحديثة

ولد فيليب خوري في الولايات المتحدة الأمريكية و تلقى قسماً من تعليمه في الجامعة الأمريكية في بيروت و حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة هارفارد عام 1980 و أصبح بعدها أستاذاً للتاريخ في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا. أقوم اليوم بتقديم كتابين له من ثمانينات القرن القرن العشرين من أهم ما كتب عن التاريخ السياسي لسوريا الحديثة قبل عهد الإستقلال.

صدر الكتاب الأول بعنوان "أعيان المدن و القومية العربية، سياسات دمشق 1860-1920" عام 1983 عن منشورات كمبريدج و هو صغير الحجم نسبياً و عدد صفحاته حوالي 150 ليس إلا بداية من مجزرة 1860 و نهاية بدخول الفرنسيين إلى دمشق و طرد الملك فيصل. جرت نكبة 1860 على خلفية إستياء علماء المسلمين من التنظيمات العثمانية و إمتعاض الحرفيين العاطلين عن العمل نتيجة لمنافسة البضاعة الأوروبية المصنعة و الرخيصة و غيرها مما أدى إلى النقمة على مسيحيي دمشق الموسرين نسبياً و الذين خلطت الدهماء بينهم و بين المصالح الأجنبية. علاوة على الأرواح التي أزهقت و الدمار الذي لحق بالحي المسيحي كان أحد أهم نتائج المذبحة إعادة تنظيم أعيان دمشق و بروز وجوه جديدة أكثر إنسجاماً مع سياسات القسطنطينية و أسرع مطواعية في تطبيقها و إستمرار هذا النهج الجديد على الأقل حتى 1908 و سقوط السلطان عبد الحميد المتزامن مع صعود جمعية الإتحاد و الترقي.



الملك فيصل و المؤتمر السوري



لعب مثقفو المسيحيين دوراً جوهرياً في العروبة العلمانية كمفهوم ثقافي قبل عام 1914 و دوراً ثانوياً في العروبة السياسية. كانت العروبة وقتها بدعة سورية بإمتياز إخترعتها نخبة صغيرة من أهل المدن السورية خصوصاً دمشق و مع ذلك يجب أن نتوخى الحذر في تقييم أهميتها و ألا ننسى أن الغالبية العظمى من مقاتلي فيصل كانت حجازية و عراقية و أن معظم السوريين تعاطفوا مع الدولة العثمانية (كثير منهم إعتبروا الثورة ضدها خيانة و حاربوا معها طوعاً أو قسراً) أو على الأقل وقفوا على الحياد بإنتظار نتيجة المعمعة.



 دمشق عام 1920



صدر الكتاب الثاني "سوريا و الإنتداب الفرنسي، سياسات القومية العربية 1920-1945" عام 1987 عن جامعة برنستون و هو أطول بكثير من الكتاب الأول (و يمكن إعتباره تتمة له) إذ يبلغ حوالي 700 صفحة بداية من غورو و نهاية برحيل الفرنسيين عن سوريا. المؤلف غني للغاية كعمل موجه بالدرجة الأولى للمختصين و فيه عدد لا بأس به من المعلومات عن الإدارة الفرنسية و الإحصاءات المفيدة.



شكري القوتلي على شرفة السرايا حزيران 1944



بعد التعريف ببعض أعلام المقاومة كإبراهيم هنانو و الشيخ صالح العلي و عبد الرحمن الشهبندر يسرد الكاتب خلفيات الثورة السورية الكبرى 1925-1927 و كيف بدأت القلاقل في جبل الدروز عندما أعتقل الفرنسيون اللبناني المدعو أدهم خنجر بتهمة المشاركة بمحاولة لإغتيال الجنرال غورو. كان خنجر في طريقه إلى زيارة الزعيم سلطان الأطرش و الذي طالب السلطات الفرنسية بتسليم الأسير إلى رعايته إحتراماً لقانون الضيافة الدرزية العريق و عندما لم يستجب  طلبه هاجم الدروز القافلة الموكلة بنقل خنجر إلى دمشق.

لا مجال للدخول بتفاصيل الثورة التي إمتدت من جبل الدروز إلى دمشق و غيرها و يكفي تسليط الأضواء على بعض الحوادث و التي ليست بالضرورة متوافقة 100% مع السرد التقليدي لثورة وطنية ضد الإستعمار و لا تخلوا من بعض الجوانب المظلمة التي يضرب عنها صفحاً كثير من الرواة. قصف و تدمير حي سيدي عامود (الحريقة) من قبل الفرنسيين معروف و أقل شهرة منه قتل مسلحي حسن الخراط للجنود المغاربة في أحد مواخير الشاغور (صفحة 176)  و نهب الثوار لقصر العظم و الهلع الذي أصاب مسيحيي باب توما عندما إنسحب الفرنسيون و دخول الأمير سعيد الجزائري إلى هذا الحي مع مجموعة من المسلحين في محاولة منه لحماية الأهالي من الثوار و اللصوص إقتداء بسلفه الأشهر الأمير عبد القادر. ينتج مما سبق أن الثورة كانت ذات عوامل عديدة إختلط فيها الوطني بالشخصي بالديني بالقبلي.

دمشق عام 1936


بعد أن وضعت الثورة أوزارها بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الفرنسية السورية في محاولة للتعاون مع سلطات الإنتداب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالطرق البرلمانية و المفاوضات و تزامن هذا مع صعود الكتلة الوطنية.  بدا الفرج قريباً عندما وصلت الجبهة الشعبية بزعامة ليون بلوم إلى سدة الحكم في فرنسا و كانت وزارة هذا الأخير مستعدة لبحث مستقبل سوريا عن طريق ربطها بفرنسا بمعاهدة (1936) تحل محل الإنتداب و كان لإستعماريو فرنسا الباع الأطول في إحباط هذا السعي عندما رفض البرلمان الفرنسي تصديق المعاهدة رغم تنازلات المفاوض السوري جميل مردم بك (و التي رفضها البرلمان السوري في جميع الأحوال). بالنتيجة كان إضراب 1936 و تبخر ما تبقى من الأمل بعد سقوط حكومة بلوم.

قصة سلخ لواء إسكندرون لكسب ود تركيا قبيل الحرب العالمية الثانية و صعود الصهاينة في فلسطين و أصداءها في سوريا معروفة و لا يمكن إختزالها بسطور قليلة. خرجت فرنسا من الصراع العالمي الجديد منهكة و إستطاع سياسيو سوريا توظيف هذا الضعف لصالحهم بدعم من الإنجليز الذين مارسوا الضغط على فرنسا و فرضوا عملياً جلاء قواتها عن بلاد الشام.





No comments:

Post a Comment