Monday, December 30, 2024

تان تان أم ريك هوشيه؟

 


مجلّة تان تان أم مجلّة ريك هوشيه؟


كل عام وأنتم بخير مع عدد tintin رقم ٢٧٨ الصادر في السادس من كانون ثاني يناير عام ١٩٨١، أي بعد توقّف صدور تان تان العربيّة التي قلّ عمرها آنذاك عن عشرة سنوات. 


قُدّر للمجلّة البلجيكيّة أن تستمرّ (وإن تغيّرت تسميتها عام ١٩٨٩) حتّى منتصف ١٩٩٣ ومع ذلك ظهرت بوادر الأزمة من مطلع الثمانينات على الأقلّ: تقدّم Hergé في السنّ وتلاشى إنتاجه عمليّاً مع منتصف الستّينات ونهائيّاً مع منتصف السبعينات (باستثناء إعادة نشر بعض قصصه القديمة في النسخة الفرنسيّة - وليس البلجيكيّة - للمجلّة). صحيح أنّ سائر كتّاب وفنّانيّ المجلّة أبدعوا كمّاً ونوعاً على مدى السنوات ومنهم من لم يقلّ موهبةً عن هيرجيه بيد أنّ الكثيرين منهم تركوا تان تان بالنتيجة واعتمدوا مساراً مستقلّاً. حتّى الفنّان المعروف Jean Graton، الذي ساهم على مدى ناهز العشرين عاماً بعشراتٍ من مغامرات Michel Vaillant أبدع فيها بإتقان رسم السيّارات وقصّر في نمطيّة تصوير الأشخاص ورتابة الحوار والحبكة، انتهى به المطاف خارج المجلّة في النصف الثاني من السبعينات. حاول طاقم التحرير التعويض اعتماداً على مواهبٍ جديدة بيد أنّهم عجزوا عن استقطاب الكفاية منها مع بعض الاستثناءات (سلسلة Thorgal مثلاً). 


بالنتيجة ازداد اعتماد المجلّة على الفنّان الكبير Tibet الذي تميّز بغزارة انتاجه وأسعدنا بدايةً من منتصف الخمسينات وإلى أن لفظت المجلّة آخر أنفاسها، برسومه الرائعة وحواره البديع. موضوع الحوار بالذات يحتاج إلى توضيح. 


بُنِيَت شهرة Tibet على سلسلتين: الأولى Chick Bill والثانية Ric Hochet.   


السلسلة الأنجح - وبما لا يقاس في رأيي - هي "شيك بيل" مع التحفّظ أنّ بطلها الحقيقي هو مساعد الشريف الأخرق Kid Ordinn. كتب الفنّان الكبير Greg حوار عدد من قصص هذه السلسلة (وأيضاً سيناريوهات Comanche و Bernard Prince و Bruno Brazil تحت اسم Louis Albert وكثير غيرها) وكتب Tibet نفسه معظمها. 


السلسلة الثانية "ريك هوشيه" رسمها Tibet (لتوخّي الدقّة رسم أشخاصَها وترك الخلفيّة والديكور لمساعديه) وكتبها Duchâteau بنجاح متفاوت وعلّ هذا التفاوت عائدٌ إلى الكميّة الهائلة من السيناريوهات التي أنتجها لعشرات أبطال القصص المصوّرة. ريك صحفي يهوى التحرّي وحلّ الألغاز والقبض على المجرمين ومساعدة صديقه مفوّض الشرطة Bourdon (أو حسب مجلّة سمير المفتّش فطين وهو في الحقيقة لا يملك من الفطنة شروى نقير). رسوم Tibet رائعة أمّا الحبكة فتتراوح من الممتازة إلى اللامعقولة إلى درجة السخافة حتّى مع أخذ الفئة العمريّة للقرّاء بعين الاعتبار. يتعيّن للإنصاف الإقرار أنّ Duchâteau نجح في معظم قصصه في تصعيد الغموض والإثارة على مدى عشرات الصفحات إلى أن نصل لنهاية القصّة التي كثيراً ما خيّبت الآمال وتركت في نفوس القرّاء انطباعاً بأنّها كُتِبَت على عجلٍ وكيفما اتّفق بهدف إنجاز المهمّة الموكلة إلى المؤلّف وإرسال نتاجِهِ إلى المطبعة قبل انتهاء المهلة المتّفق عليها. 


من القرّاء من أبدى اعتراضاته في رسائلٍ إلى المحرّر قرأتها في المجلّة البلجيكيّة وتتلخّص أنّهم ملّوا من قصص ريك هوشيه وأنّ الأوان قد آن للتقليل منها إن لم يكن التوقّف عن نشرها بالكامل ممكناً. علِقَ في ذهني خصوصاً ما كتبه أحدهم: لماذا تسمّون مجلّتكم تان تان؟ أولى أن تسمّوها مجلّة ريك هوشيه!  


مات Tibet مأسوفاً عليه عام ٢٠١٠ وبموته انتهت سلسلة Chick Bill اللذيذة وكان المفروض أن تنتهي أيضاً سلسلة Ric Hochet وعلى ما يبدوا وجدت إحدى دور النشر أنّها جديرة بالبعث وبدأت بإصدارها مجدّداً عام ٢٠١٥ بإشراف طاقم عمل جديد. فرأت ألبومين من السلسلة الجديدة وأعتقد أنّ Tibet "يتحرّك في قبره" من رسومها أمّا الحوار والحبكة فلا تقلّ رداءةً في زعمي عن أسوأ ما كتبه Duchâteau.

No comments:

Post a Comment