Wednesday, May 4, 2016

سوريا تحت حكم حزب البعث 1963-1966: تعايش الحزب و الجيش

صدر هذا الكتاب عن مطابع الجامعات الإسرائيلية عام 1972 لمؤلفه إيتامار رابينوفيتش. ولد الكاتب في القدس عام 1942 و تخرج من الجامعة العبرية عام 1964 و حاز على ماجستير من جامعة تل أبيب عام 1969 ثم دكتوراة من جامعةكاليفورنيا لوس أنجلوس في الولايات المتحدة عام 1971. خدم في الجيش الإسرائيلي 1963-1966 و أصبح أستاذاً في جامعة تل أبيب اعتباراً من 1971. شغل منصب سفير إسرائيل في الولايات المتحدة في تسعينات القرن العشرين و ترأس الوفد الإسرائيلي في المفاوضات مع سوريا 1993-1996 و هو ذو إلمام أكثر من كاف باللغة العربية مما أتاح له الاطلاع على الكثير من المراجع المحلية وإن لم يستطع مقابلة أو محادثة سياسيي هذه الفترة مباشرة لأسباب واضحة.


أمين الحافظ يلقي خطبة على يمينه ميشيل عفلق و على يساره صلاح جديد

بعد مقدمة عن تاريخ سوريا السياسي في مطلع عهد الإستقلال أي بين الأعوام 1945-1954 ينتقل الكاتب إلى التعريف بحزب البعث منذ تأسيسه عام 1947 من قبل ميشيل عفلق و صلاح الدين البيطار (كلاهما دمشقيان) و لا يفوته طبعاً ذكر دور حركة البعث العربي (و تعود لعام 1940) لزكي الأرسوزي و من ثم إندماج البعث مع حزب أكرم الحوراني العربي الإشتراكي و الذي تمخض عنه ولادة حزب البعث العربي الإشتراكي. ينتقل رابينوفيتش بعدها إلى إستعراض الأحداث التي قادت إلى الوحدة في شباط 1958 و دور الجيش و البعث في تحقيقها و خيبة أمل البعثيين عندما إكتشفوا لاحقاً أن عبد الناصر لم يكن راغباً في مشاركتهم بالحكم بشكل جدي و يتطرق إلى تشكيل اللجنة العسكرية في مصر من قبل محمد عمران و صلاح جديد و حافظ الأسد و غيرهم. إنتهت تجربة الوحدة مع إنقلاب عبد الكريم النحلاوي في أيلول عام 1961 و إنتهى عهد الإنفصال بدوره في إنقلاب 8 آذار 1963 أو ما يسمى "ثورة" 8 آذار


مظاهرة مؤيدة لجمال عبد الناصر في دمشق 

بغض النظر عما يعتقده الكثيرون إنقلاب 8 آذار لم يكن بعثياً صرفاً و إنما شارك فيه الناصريون و المستقلون و منهم منفذ العملية زياد الحريري و الذي همش لاحقاً. بالنتيجة برز البعث إلى المقدمة و تم التخلص من حلفاءه بالتدريج رغم محاولات البعض لإعادة التقارب مع مصر (كنتيجة طبيعية لإنهاء ما سمي "بعهد الإنفصال") و التي فشلت فشلاً ذريعاً مع السقوط (المؤقت) لبعث العراق (تقلد البعث العراقي الحكم في 8 شباط 1963 و تمت تنحيته عن السلطة في 18 تشرين الثاني لنفس العام). كان هناك مشروع لوحدة أو إتحاد بين مصر و العراق و سوريا و الذي إقتصرت منجزاته على إعتماد علم الوحدة في سوريا و العراق في 1 أيار 1963 ولكن بثلاث نجوم خضر عوضاً عن نجمتي الوحدة السورية المصرية



بعد أن "استتب" الأمر للبعث في سوريا بدأ النزاع بين الجناح "اليميني" للحزب و يمثله عفلق و البيطار و الحافظ و"القيادة القومية" مع العديد من المدنيين وبين الجناح اليساري أو الراديكالي الذي يسود في "القيادة القطرية" ويملك الجيش فيه بشكل عام و اللجنة العسكرية خصوصاً نفوذاً قوياً و يحركه من وراء الكواليس صلاح جديد و الذي كان قليل الإهتمام بالمظاهر و شديد التركيز على نشر نفوذه في الجيش من خلال تعيين محاسيبه و أنصاره في مواقع مفتاحية. خدمت جرائد الحزب وقتها كمنابر للصراع على السلطة على الأقل بالكلام حيث كانت جريدة "البعث" ناطقة بإسم "القوميين" بينما دافعت "الثورة" عن وجهة نظر "القطريين". كان عفلق و البيطار في وضع حرج ولم يكونا راغبين في الإعتماد على الجيش ولكن معضلتهما بكل بساطة أن الجيش كان شراً لا بد منه و أنه ما كان للبعث أن يستلم السلطة أصلاً دون العسكريين. توهم مؤسسي الحزب لفترة أن الجيش يمكن أن يخدمهم لكبح جماح الراديكاليين ولكن دعم الحافظ في الجيش كان أقل بكثير مما يلزم لاحتواء صلاح جديد و مؤيديه و بالنتيجة قرف عفلق و استقال من منصبه كسكرتير أو أمين عام للحزب في ربيع عام 1965 ليحل محله منيف الرزاز. 

أمين الحافظ

في الوقت الذي جرت فيه هذه الأحداث على الساحة السورية شهد العالم العربي النزاع البعثي الناصري على الساحة الإعلامية و محاولات البعث لإحراج عبد الناصر في محاربة الرجعية العربية و إسرائيل و على سبيل المثال مؤتمر القمة في القاهرة في كانون الثاني 1964 و الذي ترأس أمين الحافظ فيه الوفد السوري بهدف المزاودة على عبد الناصر في موضوع محاولة إسرائيل للإستفادة من مياه نهر الأردن ثم المزاودة عندما حاول الزعيم المصري إيجاد مخرج من أزمة اليمن و نهاية بقمة الدار البيضاء في أيلول 1965. المضحك المبكي أن مزاودات الحافظ على مصر لم تنفعه كثيراً إذ أدان الراديكاليون في سوريا بقيادة صلاح جديد حواره مع "الرجعية" العربية و إستعداده للتعايش معها و زاودوا عليه كما زاود على عبد الناصر و حبة مسك. 

من اليسار إلى اليمين نور الدين الأتاسي ثم صلاح جديد ثم يوسف زعين

إستطاع جديد بالنتيجة إستمالة من تبقى في الجيش من أهل الحل و الربط و منهم حمد عبيد و سليم حاطوم ومصطفى طلاس وأسقط حكم الحافظ في 23 شباط 1966 وكرس هذا إنتصار العسكريين على المدنيين و صعود اليسار السوري في أواخر الستينات. مع كل هذه الصراعات على السلطة و ما رافقها من تطهير وراء تطهير في الجهاز الحاكم عموماً و الجيش خصوصاً أو لربما كنتيجة لها فقد تمكن البعث من الإحتفاظ بالسلطة رغم هزيمة 1967 ولربما كان السبب خلو الساحة من الأقران و المزاحمين في هذه المرحلة. يختم الكاتب سرده بتعرض سريع للمنافسة بين صلاح جديد وحافظ الأسد و التي إنتهت كما نعرف جميعاً في تشرين ثاني 1970 ولكن هذه قصة مختلفة. 

محمد عمران و حافظ الأسد

No comments:

Post a Comment