عنوان البحث الأصلي الصادر عام ١٩٠٠ "تاريخ ودين النصيرييّن" وقد نال المؤلّف René Dussaud بفضل هذه الدراسة إجازة في التاريخ وفقه اللغة عام ١٨٩٩ في بدايات حياة مهنيّة غنيّة طالت قرابة الستين سنة ويمكن دون مبالغة اعتبار الأستاذ Dussaud عميد المستشرقين فيما يتعلّق بالتاريخ والتراث السوري.
يتعيّن قبل الدخول في متن الكتاب التعرّض للعنوان: يسمّي الكاتب العلوييّن "نصيرييّن" وهذا ليس بالمستغرب إذ عمليّاً كافّة المراجع قبل الانتداب الفرنسي تتبنّى هذه التسمية التي جرى بعثها مؤخّراً بمدلول سلبي وطائفي متشنّج (لنا عودة إلى أصول هذه التسمية). الملاحظة الثانية أنّ Dussaud يستعمل تعبير "الديانة النصيريّة" وليس المذهب أو الطائفة النصيريّة (ويطلق أيضاً اسم الديانة على المذاهب الاسماعيليّة والدرزيّة عندما يتعرّض لها على سبيل المقارنة) وهنا أريد أن أوضح منذ البداية أنّني لا أنوي التعرّض للمعتقدات العلويّة أو غيرها في هذه الأسطر إلّا ضمن الحدّ الأدنى الضروري لشرح السياق التاريخي ولعدّة أسباب أحدها أنّنا نعيش في العهد المعلوماتي وأنّ الديانات والمذاهب -باطنيّة كانت أو علنيّة- أصبحت كتاباً مفتوحاً يمكن للمهتمّين مراجعته بالمجّان من مصادر متعدّدة محابية ومعادية وعلى اعتبار أنّ لكل إنسان الحقّ في تحديد هويّته أترك للمعنييّن مهمّة التعريف بأنفسهم ومعتقداتهم.
السبب الثاني لعزوفي عن مناقشة الجوانب الدينيّة والعقائديّة والشعائر والنصوص المتعلّقة بها أنّني أهوى التركيز على العلوم الطبيعيّة Physics والتاريخ علم موضوعي ملموس وأتجنّب الخوض في المعتقدات التي تنتمي "لعلوم" ما وراء الطبيعة Metaphysics بغضّ النظر عن الدين قيد البحث علنيّاً كان أم باطنيّاً. تتوارث الغالبيّة العظمى من الناس _حتّى أكثرهم تعصّباً- دينها عن الآباء والأجداد والمؤمن لا يحتاج لبرهان يثبت "حقيقة" ما يؤمن به وهو إن بحث على دليل يقتصر بحثه (غالباً لا شعوريّاً) على ما يؤيّد وجهة نظره المسبقة ولا يعرف ولا يريد أن يتعرّف على العلوم التجريبيّة والتطبيقيّة إذا خالفت معطياتها عقيدته. الإيمان أعمى وأصمّ وهذا ينطبق على كافّة الأديان والمذاهب.
السبب الثالث أنّني أعتقد أنّ المكان الطبيعي للدين في مجتمع مدني وعلماني يقتصر أو يجب أن يقتصر على البيوت ودور العبادة وأنّ جميع الأديان والمذاهب "خير وبركة" طالما أنّها لا تفرض ولا تحاول فرض نفسها على الآخرين. العلويّون بالتأكيد ليسو تكفيرييّن ولا حتّى تبشيرييّن (على الأقل في الحاضر والماضي المنظور) وهذا ينطبق على معظم السورييّن وليس فقط الأقليّات السوريّة.
يمكن دون عناء تفهّم الأسباب التي دعت العلوييّن وغيرهم من الشيعة يما فيهم الإثني عشريّة إلى استعمال "التقيّة" لتجنّب الاضطهاد عبر التاريخ ولكن لهذا مع الأسف سلبيّاته إذ عندما يتجنّب المرء مواضيع معيّنة تخصّه هو بالدرجة الأولى والأخيرة (من الناحية النظريّة على الأقلّ) فهو يفسح المجال للآخرين أن يكتبوا نيابة عنه وليس هؤلاء "الآخرين" دوماً منزّهين عن الأهواء والمآرب ناهيك أنّ الكثيرين منهم لا يملكون ما يكفي من حسن المحاكمة لتمييز الحقّ عن الباطل.
في كلّ الأحوال لا يمكن اتّهام السيّد Dussaud بالجهل وكلّ من قرأ له يشهد بمهنيّته وسعة علمه وهو أبعد ما يكون عن التعصّب. باختصار الكتاب المذكور أكثر من جدير بالقراءة وهو متوافر بالمجّان على الرابط التالي.
للحديث بقيّة.
No comments:
Post a Comment