كانت أوّل دراسة جديّة لقلعة دمشق باللغة الألمانيّة كجزء من كتاب عن دمشق الإسلاميّة للعالمين Watzinger & Wulzinger عام ١٩٢٤ وجائت الدراسة الثانية بالفرنسيّة للمستشرق الكبير Jean Sauvaget في مقالين (هنا و هنا) في مجلّة Syria عام ١٩٣٠ وشائت الأقدار أن تأتي الدراسة الثالثة باللغة الإنجليزيّة عام ١٩٥١ في مجلّة Archaeologica للأستاذ David Cathcart King أخصّائي في القلاع التاريخيّة وخبير مدفعيّة.
تجاوز طول الدراسة الأخيرة الأربعين صفحة من القطع الكبير التي تقايل بسهولة أربعة أو خمسة أضعاف هذا العدد من صفحات كتبنا العربيّة تتخلّلها العديد من المرسّمات ويلحق بها بضعة صور تاريخيّة من نوعيّة جيّدة وخريطة مطويّة كبيرة الحجم (أكبر من أن أستطيع مسحها ضوئيّاً وبالتالي اضطررت إلى إدراج خريطة مجلّة الدراسات الشرقيّة الأحدث منها بنصف قرن والتي لا تقلّ عنها جودة وتطابقها تقريباً وليس تماماً من ناحية التفاصيل والترقيم).
يغطّي هذا المقال على طوله تحصينات القلعة فقط أي أسوارها وبوّاباتها وأبراجها دون التعرّض لبنيتها الداخليّة إلّا إذا دعت الضرورة وضمن أضيق الحدود وبالطبع يشمل وصف التحصينات القلعة الأيّوبيّة مع آثار القلعة السلجوقيّة الأقدم منها والأصغر مساحة مع وصف لأعمال الترميم اللاحقة في العهود المملوكيّة والعثمانيّة يرافقه لمحة تاريخيّة وجيزة.
حافظت القلعة على أهميّتها العسكريّة حتّى القرن الثامن عشر وتدهور وضعها لاحقاً ليس بنتيجة الإهمال وحسب وإنّما أيضاً لتحويلها إلى استعمالات ثانية (كمقرّ للدرك وسجن حتّى ثمانينات القرن العشرين) وتشويه بنيتها الأصليّة بإضافات إسمنتيّة وإحاطتها بمباني وأسواق غطّتها أو كادت (العصرونيّة في الشرق والحميديّة في الجنوب والخجا في الشرق) حتّى أنّ المارّ بجوارها يكاد لا يدرك وجودها خاصّة وأنّها (على عكس قلعة حلب مثلاً) تقع على مستوى المدينة. ظلّ هذا الوضع سائداً حتّى أواخر القرن العشرين وكان لا مناص من أن يصعّب مهمّة الباحثين الذين تعذّر عليهم زيارة الكثير من أقسام الحصن المغلقة في وجوه الزوّار والعلماء على حدّ سواء.
لم تثبّط هذه العقبات الكأداء عزيمة المؤلّف الذي أجرى دراسة منهجيّة لا تزال مرجعاً أساسيّاً للطلّاب والأكاديمييّن حتّى اليوم. قام السيّد King بجولة حول القلعة من الغرب فالجنوب عكس عقارب الساعة واصفاً كلّ ما يصادفه في طريقه من الناحيّة البنيويّة ومحلّلاً لعناصره حسب عمرها كما قدّره وكما أشارت إليه النقوش الكتابيّة والنصوص إن وجدت (سلجوقيّة أم أيّوبيّة أم مملوكيّة أم عثمانيّة) مع وضعها الحالي. كما نرى في المخطّط الملحق عدد أبراج القلعة ١٢ وإن كان هناك ما يدعوا للاعتقاد بوجود برج ثالث عشر في منتصف الجدار الغربي. تتفاوت حالة هذه الأبراج والبدنات (أي الجدران الواصلة بينها) إلى درجة كبيرة وبشكل عامّ حالة التحصينات الشرقيّة والجنوبيّة أفضل بكثير من الشماليّة والغربيّة كون هذه الأخيرة معرّضة للهجوم من خارج أسوار المدينة وإن لم يمنع هذا المغول من قصف القلعة بالمجانق التي نصبوها في الشرق في صحن الجامع الأموي (كما فعل غازان عام ١٣٠٠ وتيمورلنك بعده بمائة سنة). في كلّ الأحوال كانت التكنولوجيا في عهد المغول بدائيّة نسبيّاً (ناهيك أنّ تيمور أحدث فجوة في البرج الشمالي) بينما أحدث المملوكي محمّد بك أبو الذهب عام ١٧٧١ أضراراً جسيمة بأسوار القلعة الشماليّة الغربيّة بواسطة مدفعيّته في زمن لم يعد فيه بردى وفرعه بانياس (أو العقرباني) قادرين على تأمين حماية كافية من هذه الجهة.
أنوي في الأيّام القليلة المقبلة تحميل بعض الصور القديمة لأبراج وأسوار القلعة مع تعليق موجز.
No comments:
Post a Comment