أبدأ فبل الدخول في فحوى أو بالأحرى خلاصة ما قيل على لسان القدّيس يوحنّا الدمشقي عن محمّد والإسلام بذكر النصوص قيد الدراسة نقلاً عن الدكتور Janosik.
يتجاوز عدد الصفحات المتبقيّة (؟) من كتابات يوحنّا ١٥٠٠ بينما يقتصر عدد ما يتعرّض منها للإسلام مباشرة على ١٢ فقط لا غير ومع ذلك فلا جدال على الأهميّة القصوى لهذا الذكر على إيجازه. يمكن تبويب هذه الكتابات تحت عنوانين رئيسين كما يلي:
الأوّل: ينبوع المعرفة Fount of knowledge
يعتقد أنّه كتب عام ٧٤٣ للميلاد ويقسم إلى ثلاثة أجزاء:
- الفصول الفلسفيّة Philosophical Chapters وتعرف أيضاً بالجدليّة Dialectica وعددها ٦٨ وكما يدلّ العنوان تبحث هذه الفصول في الأسس الفلسفيّة (المستعارة من الفكر الإغريقي) للاهوت يوحنّا.
- عن الهرطقات Heresies أو De Haeresibus وهو أو بالأحرى قسم منه موضوع بحثنا ويتألّف من ١٠٠ فصل يهمّنا منها المعنون "هرطقة الإسماعيلييّن" Heresy of the Ishmaelites كما أسمى يوحنّا المسلمين وكما هو واضح يعتبر القدّيس الإسلام هرطقة مسيحيّة (أي بدعة بمعنى سلبي).
- عن الإيمان الأورثوذوكسي De Fide Orthodoxa مائة فصل يمكن اعتبارها أوّل خلاصة دينيّة Summa Theologica في تاريخ المسيحيّة وهي سابقة لخلاصة القدّيس Thomas Aquinas بحوالي ٥٠٠ سنة.
الثاني: مناظرة بين ساراسينوس (Saracen والمقصود هنا "اسماعيلي" أي مسلم حسب تعريف يوحنّا) ومسيحي أو Disputation between a Christian and a Saracen
يحاول يوحنّا عم طريق هذه المناظرة الوهميّة بين مسيحي ومسلم أن يقنع قرّائه بصحّة المسيحيّة ويفحم المسلمين. العمل موجّه بالدرجة الأولى والأخيرة للمسيحييّن ويمكن المقارنة بينه وبين "حوار مع صديقي الملحد" لمصطفى محمود بعد أكثر من ألف سنة بل لربّما ألهم هذا الحوار الأخير.
السؤال الجوهري هنا هو التالي: هل كتب القدّيس يوحنّا فعلاً هذه المؤلّفات؟
ناقش الدكتور Janosik هذا الموضوع في عدّة صفحات لينتهي إلى استنتاج مفاده إجماع الأكاديمييّن أنّ "هرطقة الاسماعيلييّن" كتبها يوحنّا ولكنّه حّدد التاريخ المفترض للكتاب (أربعينات القرن الثامن) ولم يحدّد تاريخ المخطوطة (أو المخطوطات) التي وصلنا العمل عن طريقها وهنا تجدر المقارنة بمنهجه في هذا الصدد والمنهج الذي اتّبعه عندما جزم بأنّ أقدم نسخة للقرآن بشكله الحالي تعود إلى أواخر القرن الثامن.
موضوع "المناظرة" أكثر إرباكاً إذ أتتنا من طبعتين من القرن الثامن عشر (١٧١٢ و ١٧٨٨) إحداهما ترجمة لاتينيّة لأصل إغريقي من القرن الثالث عشر وهنا يلجأ الدكتور Janosik إلى حسابات معقّدة استخلص منها أنّ المناظرة على الأغلب كتبها يوحنّا ووصلتنا عن طريق غير مباشر بواسطة تلميذه ثيودور أبو قرّة ويعزّز وجهة نظره بالتشابه بين أسلوب "الهرطقة" وأسلوب المناظرة. يسلّم Janosik مع ذلك بأنّ الدلائل على أصالة "المناظرة" أضعف منها في حالة "الهرطقة".
الخلاصة لا مناص من التحفّظ على أصالة المؤلّفات المعزوّة للقدّيس يوحنّا على الأقلّ بهدف الانسجام مع نقد المستشرقين المتشدّد لأصالة الكتب الإسلاميّة وبقي علينا -بفرض صحّة الإسناد- التعرّض لزبدة ما كتبه يوحنّا الدمشقي أو بالأحرى ما قيل أنّه كتبه.
No comments:
Post a Comment