Sunday, September 8, 2019

قبّة النسر


بالأحرى قباب النسر. 

لا خلاف حاليّاً أنّ المجاز المعترض في الجامع الأموي يعود لعهد الوليد بن عبد الملك وكما هو معروف تعلوه حتّى اليوم  قبّة النسر المحمولة على رقبة مصلّعة (لاحقة كما سنرى) تخترقها نوافذ. يرتأي المهندسان العالمان Archibald Campbell Dickie و Phené Spiers أنّ بناء هذه القبّة لم يكن في نيّة الخليفة في البداية وأنّ ما حمله على تنفيذها كان اجتهاد عمّال الفسيفساء البيزنطييّن المستوردين إذا ترابطت الفسيفساء في ذهنهم وأعرافهم بالقباب. إذاً حسب هذه الفرضيّة بني المجاز المعترض أوّلاً ثمّ تمّ سدّ نوافذه العلويّة clerestory لدى رفع الأقواس الحاملة للقبّة.

مقطع في المجاز المعترض وقبّة النسر من الغرب إلى الشرق


يفصّل Spiers في تاريخ قبّة النسر فيستنتج بناء على استقراء المصادر الأصليّة وجود أربع قباب مختلفة كما يلي:

١. القبّة الأولى أو قبّة الوليد:
انهارت القبّة الأصليّة بعد إنشائها في مطلع القرن الثامن بقليل وأعاد الخليفة بنائها. على الأغلب كانت حجريّة وذكرها المقدسي (٩٨٥ للميلاد) الذي ترك لنا أوّل وصف شامل للجامع الأموي. دمّرت هذه القبّة في حريق ١٠٦٩ أواخر العهد الفاطمي.  

٢. القبّة الثانية:
بنيت بين الأعوام ١٠٦٩-١٠٨٢ بدلالة كتابة بالخطّ الكوفي على إحدى دعائم المجاز المعترض تذكر اسم من موّل بناء المقصورة (القسم الجنوبي للمجاز) وزينة الجدران. ندين للرحّالة ابن جبير الأندلسي (زار دمشق عام ١١٨٤ للميلاد) بوصف هذه القبّة وتجدر الإشارة هنا إلى دقّة هذا الوصف المتناهية والمرجعيّة إلى درجة أنّ تجاوزها استلزم الانتظار حتّى القرن التاسع عشر وعهد المستشرقين والأكاديمييّن والتصوير الضوئي. ذكر ابن جبير ثلاث قباب مركزيّة في المجاز المعترض من الشمال إلى الجنوب. القبّتان الصغيرتان الشماليّة والجنوبيّة خشبيّتان والقبّة المركزيّة (أي قبّة النسر بيت القصيد)  مزدوجة تتكوّن من قبّة داخليّة خشبيّة وقبّة خارجيّة رصاصيّة تغلّفها وبينهما فضاء سبره الرحّالة المغامر الذي يعلمنا علاوة على ما سبق عن وجود رقبة تحمل القبّة المزدوجة المذكورة وهذه الرقبة على الأغلب لم تكن موجودة في قبّة الوليد المبنيّة على نماذج بيزنطيّة بينما الرقبة بدعة تعود للقرن التاسع للميلاد.    


٣. القبّة الثالثة:
تعود للفترة اللاحقة لاستباحة تيمورلنك لمدينة دمشق ١٤٠٠-١٤٠١ (تحوّل سقف الحرم بعد هذه الكارثة من مسطّح كما وصفه ابن جبير إلى جملوني ولربّما كان ما قصده الرحّالة بالمسطّح جملوني منخفض). اختفت قباب ابن جبير الثلاث بما فيها القبّة المركزيّة المزدوجة وحلّ محلّها بنية حجريّة تتشكّل من قبّة مفردة محمولة على رقبة. لدينا عدد لا بأس به من الصور العائدة للقرن التاسع عشر والتي تغني عن وصف مفصّل لهذه القبّة.

٤. القبّة الرابعة والأخيرة:
بنيت بعد حريق ١٨٩٣ ولا تزال قائمة حتّى اليوم.


مقطع يبدي مئذنة العروس وتفاصيل المجاز المعترض





No comments:

Post a Comment