رأينا كيف افتتحت مدرسة للحقوق في بيروت في تشرين أوّل عام ١٩١٣. عهد بتنظيم هذه المدرسة لفتحي بك وجعلت مدّة الدراسة فيها أربع سنوات وكانت لغة التدريس تركيّة باستثناء الفقه ومشتقّاته التي درّست بالعربيّة. جرى نقل المدرسة إلى دمشق في خريف ١٩١٤ عقب اندلاع الحرب العالميّة الأولى واستقرّت في حيّ اليهود لتعود إلى بيروت عندما وضعت الحرب أوزارها.
أسّس معهد الحقوق العربي في دمشق عام ١٩١٩ بعد أن قام عدد من الشباب المجتمعين في النادي العربي برفع التماس لساطع الحصري الذي شغل وقتها منصب مدير المعارف في حكومة رضا باشا الركابي وكان الهدف من هذا الالتماس استئناف دراستهم التي توقّفت بعد إغلاق مدرسة الحقوق العثمانيّة بسبب ظروف الحرب وما تلاها. وافقت حكومة الركابي على الطلب وافتتح معهد الحقوق في الخامس والعشرين من أيلول وعيّن عبد اللطيف صلاح (من نابلس) عميداً وخلفه اعتباراً من حزيران ١٩٢٠ مسلّم العطّار. اتّخذ المعهد مقرّه في دار المعلّمين القديمة على ضفّة بردى وكانت مدّة الدراسة فيه ثلاث سنوات. أورد الدكتور عبد الكريم رافق جدولاً بمقرّراته وأساتذته ومنهم عبد المحسن الإسطواني لأحكام الاوقاف وفارس الخوري للماليّة وحقوق الدولة الخاصّة والأمير كاظم الجزائري (حفيد الأمير عبد القادر) للّغة الفرنسيّة بينما عيّن عبد القادر العظم رئيساً للّجنة الإداريّة ومديراً للمعهد.
تجاوز عدد طلّاب المعهد ٣٢٠ عام ١٩٢٨ تخرّج منهم ١٢٩ منهم ٨٥ سوري و ٤١ من الدول المجاورة وأدخل عليه عدد من الإصلاحات في عهد الانتداب الفرنسي منها اشتراط شهادة البكالوريا للقبول فيه وتعديل نظام الامتحانات لتشمل الشفهي والكتابي.
أحد الإشكالات التي جابهت خرّيجيّ المعهد كان عدم اعتراف فرنسا بشهادتهم ممّا حدا البعض لأمّ مختلف الجامعات الأوروبيّة بهدف الاختصاص كما في حالة عدنان الاتاسي (سويسرا) وخليل مردم بك (ألمانيا). بالنتيجة نجحت المساعي الحميدة السوريّة الفرنسيّة بالحصول على هذا الاعتراف مع حلول عام ١٩٣٦ وتمّ تجاوز هذه العقبة الكأداء. لعب الحقوقيّون -سوريّون وعرب- من خرّيجيّ المعهد دوراً بارزاً في الحكومات العربيّة اللاحقة وأورد على سبيل المثال -نقلاً عن الدكتور رافق- بعض الأسماء من طلّاب الثلاثينات التي ذاع صيتها لاحقاً وهي غيض من فيض: أكرم حوراني, بهجت تلهوني, معروف الدواليبي.
كتب مستشار المعارف العامّة بالوكالة وأستاذ الحقوق الفرنسي Jacques Estève تقريراً مفصّلاً عن التعليم العالي في سوريا عام ١٩٣٧ تفّهم فيه الصعوبات التي صادفتها الجامعة الفتيّة وأثنى على الجهود التي بذلتها للإصلاح ولكنّه حذّر من اعتبارها مؤسّسة حقيقيّة للتعليم العالي نظراً لقلّة البحث العلمي فيها وفقر مكتبتها واعتبرها بالأحرى مدرسة حرفيّة تخرّج موظّفين ومحامين وأطبّاء وصيادلة وقابلات. أضاف التقرير بصراحة ودون تنميق أنّ التعليم العالي يقوم ليس فقط على اكتساب المعلومات بل تعويد الطالب على الجهد الشخصي وإيقاظ حبّ الاستطلاع والنقد والتفكير.
الصور المرفقة من الأرشيف الفرنسي في مدينة Nantes وتعود لعام ١٩٢٦ على وجه التقريب.
للحديث بقيّة.
No comments:
Post a Comment