يتعرّض كتاب الأستاذ الراحل Bianquis للعهد الفاطمي في سوريا فقط، وفقط من خلال كتابات المؤرّخين العرب في العصور الوسطى ولكن الدولة الفاطميّة لم تبدأ بالطبع في سوريا ولا انتهت فيها. يعتبر عبيد الله المهدي (٨٧٣ - ٩٣٤) مؤسّس هذه السلالة الفاطميّة أو العبيديّة وأوّل أئمّتها. هاجر المهدي من السلميّة في سوريا إلى المغرب ونجح وأتباعه بالنتيجة في الحلول محلّ الأغالبة واتّخذوا المهديّة في تونس عاصمة لهم إلى أن فتحوا مصر وأسّسوا فيها مدينة القاهرة عام ٩٦٩ في عهد المعزّ لدين الله وعامله جوهر الصقلي. دامت الخلافة أو الإمامة الفاطميّة في مصر منذ عام ٩٦٩ وحتّى ١١٧١ للميلاد.
تطوّرت القاهرة بسرعة إلى إحدى أغنى وأقوى مدن العالم الإسلامي بفضل ثروة مصر الزراعيّة هبة النيل وموقعها الإستراتيجي تجاريّاً وزاحمت لا بل تفوّقت على بغداد في نهايات القرن العاشر للميلاد. تغيّر توجّه الدولة الفاطميّة بالتدريج من المغرب إلى المشرق إذ تنازلوا للزيرييّن (أمازيغ صنهاجة) عن صقليّة والمغرب لقاء اعتراف رمزي بسيادة القاهرة والإمام وتوسّعوا شمالاً وشرقاً باتجاه سوريا كما فعل تحوتمس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وكما فعل البطالمة في العهد الهلنستي وكما سيفعل المماليك ومحمّد علي باشا وإبراهيم باشا في عهود لاحقة.
نجم اهتمام الفاطمييّن بسوريا عن عدّة عوامل منها أهمّيتها التجارية خصوصاً فيما يتعلّق بالساحل السوري والثاني إنتاجها الزراعي من الحنطة الذي اعتمدت عليه مصر في السنوات العجاف. الاهتمام إذاً كان "بسوريا المفيدة" وليس امتدادها الصحراوي في بادية الشام. بالطبع راودت الفاطمييّن بين الحين والآخر أحلام القضاء على الخلافة العبّاسيّة (سنيّة) التي كانت ترزح في أواخر القرن العاشر ومطلع القرن الحادي عشر تحت نفوذ البويهييّن (شيعة) وبالتالي الاستئثار بزعامة العالم الإسلامي ولكن هذا كان أمراً بعيد المنال ولعدّة عوامل وبالنتيجة قصر معظم حكّام القاهرة طموحاتهم على السيطرة على الساحل السوري على الأقلّ حتّى طرابلس شمالاً وعلى أهمّ المدن السوريّة دمشق (التي مارسوا فيها نفوذاً مباشراً وعيّنوا ولاتها) وحلب (التي كان لها في أغلب الأوقات أمرائها من الحمدانييّن إلى المرداسييّن وكان نفوذ الفاطمييّن فيها أقلّ فعاليّة).
دمشق الكبرى حسب دليل بادكر ثمانينات القرن التاسع عشر |
نازع البيزنطيّون الفاطمييّن في شمال وساحل سوريا وكانت الفترة بين أواخر القرن العاشر ومطلع القرن الحادي عشر فترة سعود للقسطنطينيّة إذ نجحت جيوش الإمبراطور نقفور الثاني في الإستيلاء على أنطاكيا عام ٩٦٩ وهاجم الروم العديد من المدن السوريّة بنجاح متفاوت ولكنّهم أفلحوا في إخضاع الحمدانييّن (أسّس سيف الدولة الإمارة الحمدانيّة عام ٩٤٤) وبعدهم المرداسييّن (حكموا حلب بشكل أو بآخر بين ١٠٢٤ و ١٠٨٠) والذين بذلوا قصارى جهدهم في المحافظة على استقلالهم عن طريق دفع الجزية لبيزنطة تارة والدعاء للإمام الفاطمي على المنابر طوراً. تجدر الإشارة هنا أنّ الحمدانييّن والمرداسييّن شيعة وأنّ حلب بقيت في أكثريّتها شيعيّة إلى عهد نور الدين زنكي بينما حافظت دمشق على أكثريتها السنيّة طوال العهد الفاطمي. في كلّ الأحوال لا داعي لإعطاء الخلاف السنّي الشيعي ولا العرقي في العهد الفاطمي من الأهميّة أكثر ممّا يستحقّ فقد حارب الفاطميّون مثلاً القرامطة وهم أيضاً إسماعيليّون وأدخلوا الأتراك في جيوشهم للحلول محلّ أو على الأقلّ إيجاد قوّة موازنة للعسكر المغاربة الذين فتحوا مصر بسواعدهم. كان الأتراك في هذا الوقت (ولعدّة قرون لاحقة) مطلوبين كجنود أشدّاء أولي بأس وقوّة يمكن الإعتماد عليهم في ساحات الوغى.
يمكن القول أنّ الأقليّات المسيحيّة واليهوديّة في المدن عاشت عهداً ميموناً تحت حكم العزيز بالله (٩٧٥ - ٩٩٦) ووصل بعضهم إلى أعلى المناصب وجمعوا ثروات طائلة وإن تعيّن عليهم أحياناً أن يعتنقوا الإسلام كما في حال الوزير اليهودي المولد إبن كلس أمّا عن التعايش بين الأديان في العهد الفاطمي فكان في أحسن حالاته بمقاييس ذلك العصر إذا قبلنا شهادة ناصر خسرو المروزي (سنّي) الذي زار سوريا وفلسطين ومصر بين آذار ١٠٤٦ وتشرين أوّل ١٠٥٢ ووصفها (مع الأسف لم يعرّج على دمشق) وقال في "كتاب السفر" ما معناه أنّه رأى السنّة يصلّون بجانب الشيعة في المساجد التي لم يكن فيها وقتها محاريب منفصلة للمذاهب الأربعة وعلاوة على ذلك لم يشهد ذلك الزمن مدارس دينيّة مستقلّة يعيش علماؤها على نفقة الدولة ويروّجون لعقيدتها وإنّما كان التعليم الديني يجري في الجوامع التي يتحلّق التلاميذ فيها حول أساتذتهم.
للحديث بقيّة.
http://books.openedition.org/ifpo/6437
http://books.openedition.org/ifpo/6458
http://www.ifporient.org/node/1542
http://bornindamascus.blogspot.com/2017/08/blog-post_16.html
No comments:
Post a Comment