قسّم الفرنسيّون حصّتهم من سوريا الجغرافيّة في مطلع عشرينات القرن الماضي إلى ستّة كيانات: دول دمشق وحلب والعلوييّن وجبل الدروز ولبنان الكبير وسنجق اسكندرون بينما تكفّل الإنجليز بالأردنّ بضفّتيه الشرقيّة والغربيّة (أي فلسطين). تروي الأسطر التالية المقتبسة عن الدكتور عبد الكريم رافق قصّة الصراع على هويّة الجامعة السوريّة في مطلع عهد الانتداب.
نادى عدد من الفرنسييّن في البداية بإلغاء المعهد الطبّي في دمشق ومنهم السيّد Chassevant أستاذ في كليّة الطبّ في جامعة الجزائر ورئيس لجنة امتحانات خرّيجي المعهد الطبّي الفرنسي في بيروت. رفع الأستاذ المذكور تقربراً في ٢٨ أيلول عام ١٩٢١ ذكر فيه أرقاماً وإحصائيّات أهمّها يتعلّق بالخدمات الصحيّة في دولة دمشق التي شملت أربع متصرّفيّات (دمشق وحوران وحمص وحماة) وبلغ عدد سكّانها ٩٥٠٠٠٠ نسمة. بلغ عدد الأطبّاء في هذه "الدولة" ١٥١ منهم ١٧ من خرّيجيّ المدرسة اليسوعيّة في بيروت و ١٤ من الجامعة الأمريكيّة (الكليّة البروتستانتيّة السوريّة حتّى عام ١٩٢٠) و ٥٤ من القسطنطينيّة و ٦٦ من المعهد الطبّي في دمشق. بلغ عدد الصيادلة ٥٥ ويضاف إلى الصيادلة والأطبّاء عدد من المجبّرين والدجّالين. بالنسبة للتوزيع أخذت دمشق حصّة الأسد (١٠٢ طبيب) بينما تواجد عشرون من الأطبّاء في حمص و ١٣ في حماة و ١٦ في بقيّة المناطق. أعداد زهيدة بالكاد تكفي لاحتياجات قرابة مليون إنسان ناهيك عن تمركز أغلبيّة الأطبّاء في مناطق معيّنة.
أوصى البعض بناءً على تقرير Chassevant بإغلاق المعهد الطبّي العربي وتأسيس معهد طبّي فرنسي-عربي عوضاً عنه (على غرار الجزائر) يتّخذ التكيّة السليمانيّة مقرّاً له ويشمل صفّاً تحضيريّاً للفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعيّة P.C.N أو Physique, Chimie, Science Naturelle. تشمل التوصية وضع المعهد الجديد تحت إدارة فرنسيّة بإشراف المندوب السامي وتعيين أساتذة فرنسييّن وإخضاع الطلّاب لامتحانات أمام هيئة من الكليّة اليسوعيّة في بيروت وإنهاء دراساتهم في اليسوعيّة أو الأمريكيّة والحصول على شهاداتهم منها. هنا يتعيّن التنويه أنّ عمداء كليّات الجامعة المصريّة الحكوميّة كانوا يعيّنون من قبل الإنجليز حتّى عام ١٩٢٧ عندما عيّن أوّل عميد مصري لكليّة الحقوق تلاه آخر لكليّة الطبّ بعد سنتين وثالث لكليّة الآداب ١٩٣٠ أمّا كليّة العلوم فقد تعيّن عليها الانتطار حتّى ١٩٣٦.
أضاف السيّد Louis Jalabert ممثّل مدير المعهد الطبّي الفرنسي في بيروت لدى الحكومة الفرنسيّة في رسالة إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجيّة الفرنسي في العاشر من تشرين أوّل عام ١٩٢٢ أنّ المدرسة الطبيّة في دمشق ستكون منافسة لنظيرتها في بيروت علاوة على المنافسة التي تواجهها هذه الأخيرة من الجامعة الأمريكيّة التي تتمتّع بموازنة كبيرة وحذّر من التدريس باللغة العربيّة في معهد دمشق ممّا قد يؤدّي إلى تحوّل الطلّاب عن الثقافة الفرنسيّة ولربّما أيضاً زيادة العداوة لفرنسا في صفوفهم. ختم السيّد Jalabert رسالته بالقول أنّ تنظيم المعهد الطبّي في دمشق غير ضروري وغير مرغوب فيه.
بالمقابل شجّع بعض الفرنسييّن المتنفّذين الجامعة السوريّة الفتيّة ومنهم الجنرال Gouraud وارتأوا المحافظة على معهديّ الطبّ والحقوق ورعاية تأسيس جامعة عربيّة في دمشق إرضاءً للرأي العامّ الوطني والإسلامي وخدمة للمصالح الفرنسيّة في نفس الوقت. غنيّ عن الذكر أنّه ما كان لأي دعم فرنسي للجامعة السوريّة أن يثمر لولا جهود السورييّن ومواظبتهم وولائهم لمؤسّستهم العلميّة الأولى ولعب عميد المعهد الطبّي الدكتور رضا سعيد بالذات دوراً جوهريّاً في الحيلولة دون فرنسة الجامعة التي قدّر له أن يقودها بحكمة وكياسة حتّى تقاعده في شباط ١٩٣٦.