Saturday, February 2, 2019

شام القرن الثامن عشر: إذا حجّ جارك بيع دارك


رأينا أنّ عدد سكّان دمشق قدّر بحوالي أربعين ألف نسمة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أي أقلّ من نصف عدد سكّان حلب وقتها وهذا لا يشمل زوّراها في موسم الحجّ الذين قدّرهم المستشرق الفرنسي الكونت de Volney في كتاب "رحلة في مصر وسوريا" الصادر عام ١٧٨٧ بثلاثين إلى خمسين ألفاً. إذا صحّ هذا الرقم -وأشكّ في ذلك- فهذا يعني أنّ المدينة كانت أشبه بفندق كبير يتضاعف عدد سكّانه في أشهر معيّنة. في كلّ الأحوال لا يمكن إنكار أهميّة الحجّ إلى مكّة من النواحي الاقتصاديّة والتجاريّة والثقافيّة عبر التاريخ وإن تمتّعت الشام علاوة على ذلك بمزايا عديدة حبتها بها الطبيعة.

دمشق الشام واحة في الصحراء وهي "أعذب أماكن سوريا وأفضلها تروية" لا يكلّ العرب من التغنّي بأشجارها وفاكهتها وصفاء مياهها وينابيعها. دمشق أغنى المدن قاطبةً بالأقنية والسبل ولكل منزل فيها مصدر مياه مستقلّ ولا جدال في كونها أحد أجمل مدن تركيّا. مع ذلك تجب الإشارة إلى أنّ موقعها ليس ملائماً من الناحية الصحيّة وأنّ الشوام عرضة للانسدادات obstruction وأنّ بياض بشرتهم ليس علامة على العافية ولكن بالأحرى النقاهة من المرض. يفرط الأهالي في أكل الفواكه وينتج عن هذا أوبئة البرداء (الملاريا) والزحار في فصليّ الصيف والخريف.

يؤكّد الأتراك أنّ الدمشقييّن أكثر سكّان الإمبراطوريّة لؤماً ومسيحيّو المدينة أكثر مكراً وخسّة من أي مكان آخر ولا ريب أنّ هذا يعود لسفاهة المسلمين وتعصّبهم وهم يماثلون أهل القاهرة في هذا المضمار ويمقتون الإفرنج مثلهم سواءً بسواء. لا يستطيع الغربيّون ارتداء الأزياء الأوروبيّة في دمشق ويعجز تجّارهم عن تأسيس وكالات فيها ولا نجد فيها إلّا مبشّرين اثنين من الكبوشييّن وطبيباً واحداً غير مؤهّل. 

سبب تعصّب الدمشقييّن علاقتهم مع مكّة وهم يزعمون أنّ مدينتهم مقدّسة ونرى فيها في موسم الحجّ أناساً من مختلف أصقاع الأرض. رغم كلّ مزايا الحجّ التجاريّة منها والروحيّة يقرّ بعض الحجّاج الصادقين بأنّ هذه الرحلة هي أكثر الأسفار شقاءً على الإطلاق ويقول المثل الشائع "دير بالك إذا حجّ جارك مرّة وإذا حجّ مرتين انتقل من بيتك" هذه ترجمة لما قاله المؤلّف والمثل الأصلي الذي يعرفه كلّ الشوام "إذا حجّ جارك بيع دارك وإذا حجّ مرتين بيعو بالدين". يضيف الكاتب فيقول أنّ التجارب أثبتت صفاقة وسوء نيّة معظم حجيج مكّة وكأنّهم ينتقمون من الخداع الذي وقعوا ضحيّة له (أي رحلة الحجّ) عن طريق التحوّل بدورهم إلى نصّابين.  





No comments:

Post a Comment