ختم المستشرق الفرنسي الكونت de Volney طبعة ١٧٨٧ الأولى من كتاب "رحلة في سوريا ومصر" بثمانين صفحة تطرّق فيها إلى أثر الدين في الامبراطوريّة العثمانيّة وظروف الحياة والملكيّة وحالة الزراعة وأهل الريف والحرفييّن والتجّار والفنون والعلوم والجهل وعادات الناس وطبائعهم. العمل موسوعي بمقاييس ذلك الوقت ولكنّه مشوب بجرعة كبيرة من العنصريّة كانت هي القاعدة وليس الاستثناء في زمن سبق ما يعرف اليوم باسم "اللباقة السياسيّة" أو political correctness. للإنصاف النمطيّة العنصريّة كانت -ولربّما لا زالت من وراء الكواليس- متبادلة بين الشرق والغرب ويكفي هنا الرجوع ليس إلى كتابات ابن تيميّة الدمشقي (١٢٦٣-١٣٢٨ للميلاد) إذ من الظلم الحكم عليها بالمقاييس المعاصرة بل إلى حقيقة أنّ كثير من مسلميّ القرن الحادي والعشرين لا يزالون يستشهدون إيجاباً بما قاله في ذمّ وتكفير بعض الأقليّات. حتّى في أدب القصّة شتم غير المسلمين عادي كما في ألف ليلة وليلة (انظر على سبيل المثال الليالي ١٠٧-١٠٩ وكيف تبرّك البيزنطيّون بغائط "خره" البطريق الأكبر وتبخّروا به ولطّخت به عوارضهم ومسحت شواربهم قبل الذهاب لقتال المسلمين).
يبدأ المؤلّف بهجوم صريح على الإسلام ومقدّساته فيدعوا إلى نبذ الرأي القائل بأنّ الإسلام كفيل بعلاج مساوىء الحكومة وأنّ هذا الدين -على العكس- هو أصل الشرور. يمكن تلخيص القرآن المليء "بالقصص الصبيانيّة والأساطير السخيفة والإنشاء المملّ... عن الحوريّات بانتظار الشهداء" بكونه هذيان فوضوي لتعصّب مضطّرم لا يلين. المشكلة أنّ القرآن -مصدر التشريع والسياسة والفقه- ليس فيه ما يستحقّ الذكر عن واجب الإنسان تجاه مجتمعه ولا فنّ الحكم وسنّ القوانين باستثناء ما يتعلّق بالإرث والزواج والطلاق والعبوديّة. أمّا عن النبي محمّد فهو "أكثر المشرّعين جهلاً على الإطلاق ولا نجد في كافّة المؤلّفات الغبيّة للفكر الإنساني أتفه من كتابه كما برهنت على ذلك أحداث آسيا خلال ١٢٠٠ سنة".
اقتصر دور العرب حتّى في عصرهم الذهبي على النقل عن الإغريق باستثناء العلوم اللغويّة وأمّا عن ضحولة الفقه الإسلامي والأسئلة السخيفة التي يجتهد العلماء لإيجاد جواب لها فحدّث ولا حرج. هناك مجموعتان للكتب فقط لا غير في بلاد الشام أولاهما في عكّا لدى أحمد باشا الجزّار والثانية في مار حنّا (الشوير) في لبنان ولا يوجد في البلاد الناطقة بالعربيّة أي مكان غني بالكتب باستثناء القاهرة ومكتبة الأزهر. القاهرة هي المكان الوحيد الذي نجد فيه إلماماً معيّناً بالعلوم الموسيقيّة ولكنّهم يستعملون في نوطهم رموزاً إيرانيّة أمّا عن الرقص أمام العامّة فهو يقتصر على البغايا ويطلق على الراقصة الماهرة اسم "العالمة". الجهل بالطب سائد وهناك نفور ديني من التشريح. استعيض عن علم الفلك astronomy بالتنجيم astrology. باختصار انتهى عهد الخلفاء الزاهر لدى العرب ولم يلد ما يقابله لدى الأتراك بعد وأسباب التخلّف ترجع للحكومة والدين.
الشرق الأدنى تعيس ومن المعروف أنّ مباعث البهجة في الغرب هي الخمر واختلاط الجنسين. تناول الخمر والاستمتاع به حكر على كسروان والدروز في لبنان والفصل بين النساء والرجال موجود في كلّ مكان. لا ذكر في القرآن والسيرة النبويّة لثواب النساء في الآخرة ولا لممارستهنّ الدين ولا يسمح للمرأة بالتملّك لا بل ويتسائل المسلمون فيما إذا كان للأنثى روح. السفور علامة الدواعر والمسلمون لا يعرفون من الحبّ إلّا إرضاء الغرائز. تسود العفّة في الأرياف وينتشر الفجور في المدن خصوصاً في القاهرة لدى المتزوّجات. العنانة متفشّية وسببها تعدّد الزوجات من جهة والزواج المبكّر من جهة ثانية. سكّان الداخل أبسط وأكرم وأطيب خلقاً من سكّان الساحل والتجارة عدوّ لدود للفضيلة. يلجأ المؤلّف كما نرى إلى التعميم والأحكام المطلقة دون تردّد أو تحفّظ ومن الواضح أنّه لا يشكّ في صحّة كلامه.
أمضى السيّد Volney ثلاث سنوات في مصر والشام بين الأهالي متكلّماً لغتهم ويخطىء من يعتقد أنّ وصفه النمطي العنصري يقتصر على الإسلام والمسلمين إذ لم يتردّد في الجزم بأنّ المسيحييّن الأرثوذوكس أسوأ من المسلمين من عدّة أوجه. صحيح أنّ المسلم متكبّر إلى درجة العجرفة ولكنّه أيضاً ذو طيبة وإنسانيّة وحسّ بالعدالة ومن شيمه التصميم والحزم في وجه الشدائد أمّا المسيحييّن الأورثوذوكس فهم عموماً مكرة وخبثاء وكاذبون تتملّكهم الضعة عندما يحطّ شأنهم والسفاهة إذا ارتفع مقدارهم إلخ.. إلخ..
الروابط أدناه للنصّ الأصلي بالفرنسيّة مع الترجمة الإنجليزيّة لمن يريد التوسّع.
Fascinating!
ReplyDeleteIndeed!
ReplyDelete