Friday, February 1, 2019

مدن الشام في القرن الثامن عشر


التاريخ عموماً تاريخ المدن وإن كان معظم سكّان العالم في القرن الثامن عشر (وحتّى منتصف القرن العشرين على الأقلّ في الشرق الأدنى) من أبناء الأرياف. تعتمد التجارة على المدن وفيها يزدهر الأدب والفنّ والعمارة والعلم. المدن -كما كتب وبحقّ الكونت de Volney- عام ١٧٨٧ في "رحلة في مصر وسوريا" آخر من يجوع رغم كون الريف المصدر الأوّل والأخير للغذاء والمواد الأوّليّة وفي نهاية المطاف الثروة التي ترتكز عليها المدن. يضيف المؤلّف أنّ أراضي آسيا أخصب من اراضي أوروبا على اعتبار أنّه يمكن زراعتها لفترات أطول من السنة ومنها ما يمكن زراعته دون انقطاع ودون سماد. فيما يلي استعراض سربع لوضع سوريا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والكلام دوماً اقتباس موجز عن المستشرق الفرنسي مع التنويه أنّ كافّة الأرقام المذكورة تقريبيّة:

قدّر عدد سكّان بلاد الشام وقتها بحوالي مليونين وثلاثمائة ألف نسمة يتوزّعون على خمس ولايات: حلب وطرابلس وعكّا-صيدا ودمشق وفلسطين. وأقتصر على ذكر أهمّ مدن هذه الولايات:

حلب
كانت هذه المدينة العريقة وقتها عاصمة سوريا الاقتصاديّة (كما هي الآن) في وقت كانت العاصمة السياسيّة لا تزال في القسطنطينيّة. تراوح عدد سكّانها وقتها بين ١٠٠٠٠٠-٢٠٠٠٠٠ وبالتالي كانت أكبر مدن الامبراطوريّة العثمانيّة بعد القاهرة واسطنبول وكان فيها قنصل فرنسي وعدّة وكالات تجاريّة لفرنسا وانجلترا والامبراطوريّة النمساويّة وهولندا والبندقيّة وليفورنو (مدينة إيطاليّة). يغذّيها نهر قويق الذي "لا تنضب مياهه أبداً" وهوائها جافّ وصحّي وإن تفشّى فيها داء حبّة حلب المجهول السبب (تكهّن Volney أنّه يعود لطبيعة المياه). 

دمشق 
عدد سكّانها ٤٠٠٠٠ منهم ١٥٠٠٠ مسيحي وسأخصّص لها مقالاً مستقلّاً.

القدس
حوالي ١٢٠٠٠-١٤٠٠٠ نسمة ويتباهى سكّانها بمكانتها الدينيّة المسلمون منهم والمسيحيّون واليهود على حدّ سواء. يظنّ من يرى تبجيلهم للأماكن المقدّسة أنّهم أتقياء ومع ذلك فهم معروفون بكونهم أخبث أهل سوريا قاطبة  ويتجاوزون في خبثهم حتّى أهل دمشق. فيها كثير من البعثات والطوائف المسيحيّة التي تتشاجر بعضها مع البعض الآخر على أولويّة ملكيّة الأوابد الدينيّة وتدفع الرشاوى للأتراك بهدف تجاوز منافسيها ويشجّع الأتراك بالطبع هذه النزاعات المفيدة لهم. استقبلت المدينة ٢٠٠٠ من الحجّاج عام ١٧٨٤ ويقال أنّ عددهم سابقاً تجاوز ١٢٠٠٠ ويندب الرهبان ما يعتبرونه دلالة على تردّي الإيمان مؤخّراً.   

بيروت
٦٠٠٠ إنسان وهي لا تملك مصدراً للماء العذب في داخلها  وتهيمن عليها من الشمال إلى الجنوب سلسلة من التلال وإذا أضفنا إلى هاتين النقيصتين هزال تحصيناتها وسوء مينائها نستنتج أنّها ستبقى أبداً مكاناً رديئاً. لهجة سكّانها هي الأسوأ بين الناطقين بالعربيّة.

صيدا
خمسة آلاف وهي ذات تجارة لا بأس بها وفيها قنصل فرنسي وأربع أو خمس بيوتات تجاريّة (بينما صور ليس أكثر من خمسين إلى ستّين عائلة فقيرة).

طرابلس واللاذقيّة
٤-٥ آلاف نسمة للواحدة. 

حماة
أربع آلاف وفيها بعض النشاط كونها على طريق حلب.

حمص
ألفين نسمة مسلمين ومسيحييّن أورثوذوكس.

غزّة
عاصمة فلسطين وتعدّ ألفين نسمة. تمرّ منها القوافل من الشام إلى مصر وبالعكس إضافة لقاقلة سنويّة تحمل الجردة لحجّاج مكّة. 

دير القمر
عاصمة إقليم الدروز ١٥٠٠-١٨٠٠ نسمة من الموارنة والأورثوذوكس والدروز. سرايا الأمير فيها عبارة عن بيت كبير آيل للتداعي. 

بالطبع هناك ذكر لأطلال أفاميا وبعلبك وتدمر (اكتشفها تجّار انجليز من حلب عام ١٦٩١) وكثير غيرها ولكن ليس البتراء التي لم تكن قد اكتشفت من قبل الغرب بعد.

للحديث بقيّة. 





No comments:

Post a Comment