Sunday, February 3, 2019

دير مار يوحنّا ودخول الطباعة العربيّة إلى الشرق الأدنى


لا ريب أنّ أحد أهمّ أسباب جمود ومن ثمّ تقهقر الشرق في مواجهة أوروبا على المستويات العلميّة والأدبيّة وبالنتيجة السياسيّة والعسكريّة كان رفض تبنّي الطباعة في مرحلة مبكّرة ممّا حصر القراءة والمعرفة بأقليّة نخبويّة وجرّد بالتالي الملايين من المؤهّلات التي تسمح لهم باللحاق بركب الحضارة.  أوّل الكتب المطبوعة باللغة العربيّة كانت في أوروبا وليس العالم العربي ويستعرض المستشرق الفرنسي الكونت de Volney مشكوراً في كتاب "رحلة في مصر وسوريا" الصادر عام ١٧٨٧كيفيّة دخول الطباعة إلى الشام ألخّصها كما يلي:

أسّس اليسوعيّون تحت الحماية الفرنسيّة بعثة تبشيريّة وتعليميّة في حلب كان الهدف منها نشر التعاليم الكاثوليكيّة ومكافحة الهرطقة. اقتصرت معرفة المسيحييّن في الشرق الأدنى آنذاك على العربيّة العاميّة إذ قاوم علماء المسلمين تدريس الفصحى وعلوم القواعد والنحو للكفّار وإن تساهلوا بالنتيجة عندما تمّ إرضاء جشعهم وحبّهم للمال. يأتي هنا دور الطالب النجيب عبد الله زاخر الذي تميّز بعلمه وقام بالتبشير في حلب قلباً وروحاً ممّا أثار غيرة المسيحييّن المنشقّين (أي الأورثوذوكس) الذين استطاعوا بدسائسهم الحصول على فرمان شاهاني أو "خطّ شريف" من القسطنطينيّة يأمر بقطع رأسه. 

نجح الزاخر في الفرار إلى جبل الدروز (أي جبل لبنان) وكان الدروز وقتها يشجّعون هجرة الموارنة والأورثوذوكس إلى لبنان حيث سمح لهم ببناء الأديرة والكنائس وأحدها كان دير مار يوحنّا الذي أسّسه الروم الكاثوليك قرب الشوير حوالي عام ١٧٠٠ حيث التجأ الزاخر ليدشّن فيه أوّل مطبعة في لبنان ونجح عام ١٧٣٣ في إصدار مزامير داود (الزبور حسب المسلمين) في مجلّد واحد.   

مات الزاخر حوالي عام ١٧٥٥ وسار تلميذه على خطاه وإن تعثّرت خطى المطبعة وقلّت مبيعاتها باستثناء كتاب المزامير وعلّ هذا سببه طبيعة المؤلّفات الدينيّة الجافّة المقتصرة على التعاليم المسيحيّة المتقشّفة والوعظ عوضاً عن التركيز على المواضيع العمليّة المفيدة والفنيّة الممتعة. يعطي Volney جرداً بمقتنيات المطبعة-المكتبة بطول أربع صفحات لتعزيز وجهة نظره تحتوي على أقلّ من خمسين عنواناً اخترت منها التالية:

الكتب المطبوعة
دليل الآثم، غذاء الروح، العقيدة المسيحيّة، مزامير داود (مترجمة من الإغريقيّة)، الإنجيل والرسائل.

المخطوطات
تقليد يسوع المسيح، اللاهوت الأخلاقي، لاهوت القدّيس توما، مواعظ القدّيس يوحنّا فم الذهب، المنطق (مترجم عن الإيطاليّة)، ملخّص القاموس المحيط.

كتب ومؤلّفات إسلاميّة
القرآن، ألفيّة ابن مالك، مقامات الحريري، الطبّ لابن سينا، تاريخ اليهود ليوسيفوس. 

إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ مكتبة دير مار يوحنّا ومكتبة أحمد باشا الجزّار كانتا الوحيدتين في الشام فبإمكاننا تخيّل حالة العلم في سوريا آنذاك. لم تكن بقيّة الأقاليم الناطقة بالعربيّة أفضل حالاً وحتّى في مصر تعيّن على الطباعة أن تنتظر حملة نابوليون وعهد محمّد علي. 






No comments:

Post a Comment