حاول Kraeling تقصّي السمات العامّة للفنّ المسيحي في حوض الفرات استناداً إلى بقايا لوحات بيت المعموديّة في كنيسة دورا أوروپوس وهي كما رأينا ليست بالشيء الكثير.
الرسوم نمطيّة أكثر منها شخصيّة أو تصويريّة ويغيب فيها التأثير الإيراني خلافاً لما رأينا في الكنيس اليهودي (أو معبد ميثرا). هذا الغياب متوقّع نظراً لعدم وجود مشاهد صيد أو مراسم ملكيّة وعموماً لا يوجد تقاطع بين مواضيع الكنيسة والكنيس لا من الناحية الفنيّة ولا السرديّة. هدف التصوير في كنيسة دورا تعبيري expressionistic أي إيصال فكرة وعلّه مثّل مرحلةً انتقاليّةً من المدرسة التقليديّة (الكلاسيكيّة) اليونانيّة - الرومانيّة إلى سليلتها البيزنطيّة. مع ذلك يمكن تمييز أكثر من أثر في لوحات الكنيسة بعضها شرقي كهنوتي كما في موكب النساء أو "مشهد القيامة" المزعوم والبعض الآخر يوناني كما يتجلّى من خلال الطريقة المعتمدة في توزيع اللوحات على الجدران.
نستطيع بشكل عامّ تمييز الطرز التالية في فنون الشرق الأدنى قديماً ولدينا أمثلة على كلٍّ منها في دورا أوروپوس:
- الطراز السوري في الأقاليم الداخليّة النائية عن المدن الكبرى (provincial أو hinterland) والمثال عليه الفنّ المسيحي في كنيسة دورا كما نراه في بيت المعموديّة (لا يوجد لوحات في ردهة الاجتماع ولربّما كان ذلك لتجنّب إلهاء المصلّين عن ممارسة شعائرهم ومنه تركيز الزخرفة في بيت المعموديّة).
- طراز بلاد ما بين النهرين الواقعة تحت التأثير الإيراني كما في الكنيس اليهودي ومعبد ميثرا. يجدر هنا التنويه أنّ مساحة ردهة اجتماع الكنيس (حيث توجد لوحاته الرائعة) تبلغ عشرة أضعاف مساحة غرفة المعموديّة في الكنيسة (مقرّ لوحاتها).
- الطراز اليوناني - السوري الواقع تحت تأثير حوض المتوسّط كما في معبد بل.
تميّزت الديانتان المسيحيّة واليهوديّة عن المعتقدات الوثنيّة بحيازتهما على نصوصٍ كتابيّةٍ جُمِعت على مدى قرونٍ في الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد. رغم ذلك لا بدّ أنّ لوحات الكنيسة والكنيس هدفت ليس فقط إلى الرمز والقصّة المصوّرة، وإنّما أيضاً إلى محاكاة ومزاحمة الأديان القديمة التي اقتبست عنها إلى درجةً لا بأس بها من النواحي الفنيّة. استفاد المسيحيّون واليهود من التسامح الديني في الإمبراطوريّة الرومانيّة حتّى منتصف القرن الثالث ممّا ساعد في انتشار الديانتين.
No comments:
Post a Comment