يتوارى هذا البناء المملوكي الغارق في العراقة والقدم والجمال خلف الأشجار في القسم الشرقي للحديقة الملحقة شمال تمثال و"متحف" عدنان المالكي وكان حريّاً بها أن تيقى محطّ الانتباه وقبلة الأبصار (كما نرى في اللوحة أعلاه من القرن التاسع عشر) عوضاً عن النصب الحديث المهيمن على الساحة منذ ستّة عقود.
تدرج كثير من المراجع هذا المعلم تحت تسمية "تربة كتبغا" نسبة إلى السلطان المملوكي الملك العادل زين الدين كتبغا (١٢٩٤-١٢٩٦) وهو في الأصل أحد جنود هولاكو أسر عام ١٢٦٠ واشتراه قلاوون ليترفّع بعدها في المناصب إلى أن تبوّأ عرش السلطنة قبل أن يطيح به المنصور حسام الدين لاجين (١٢٩٦-١٢٩٩) . انتهى الأمر بكتبغا إلى تولّي حماة ومات ١٣٠٢-١٣٠٣.
ندين بأوّل وصف علمي لهذه التربة للألمانييّن Wulzinger و Watzinger وإن أسمياها خطأً "الخاتونيّة" ليضيفا أنّها "كانت في البداية تربة ثمّ أضيف لها مسجد". لاحط المستشرقان أنّ التربة مبنيّة على مرحلتين وأنّ القسم الغربي الزائل (بما فيه القبّة الثالثة المضافة) هو الأحدث بدلالة تفاوت ارتفاع المداميك (أقلّ في القسم الغربي) التي أصبح رصفها أقلّ إتقاناً وانعدام العقد العاتق arc de décharge في الزيادة الحديثة التي استندت قبّتها المندثرة على حنايا ركنيّة trompe عوضاً عن المثلّثات الكرويّة pendentif.
Photo Michael Mineicke |
لم يتمكّن العالمان الألمانيّان من زيارة التربة من الداخل (كانت الأبواب والنوافذ وقتها مسدودة بالحجارة) ولكن معاينتهما الخارجيّة كانت في غاية الدقّة كما تظهر المخطّطات أدناه حيث نرى القسم الشرقي الأصلي القديم من التربة متمحوراً خوال اليوّابة الشماليّة المتوّجة بالمقرنصات وعلى جانبيها نافذتان يعلوا كلّ منهما عقد عاتق تتناوب فيه الحجارة الملوّنة وفوقه نافذة مستديرة تتناوب ألوان حجارتها. كانت القبّة الأصليّة الشرقيّة مندثرة وقتها وأعيد بناؤها في مطلع ستّينات القرن العشرين (بينما أزيلت بقايا القسم الغربي "الحديث" الذي يعلمنا الدكتور عبد القادر ريحاوي أنّه كان يحتوي على قبرين مجهولين). ترتكز القبّة على رقبة مثمّنة الأوجه أو الأضلاع تتناوب فيها المحاريب الصمّاء مع النوافذ التوأميّة.
يلخّص الرسم الأخير وضع البناء كما كان خلال الحرب العالميّة الأولى ونشاهد فوق البوّابة "برجاً" (حسب تعبير الألمانييّن) وهو في الواقع -استناداً إلى اين طولون والقلائد الجوهريّة- قاعدة مئذنة قليلة الارتفاع.
تمثّل هذه التربة تغييراً عن الأنماط الأيّوبيّة الصارمة والمتقشّفة وتتميّز بمواد البناء المتوسّطة الجودة والنسب الأقلّ تناغماً مع التناظر القسري بالقباب المزدوجة واستعمال الحجارة المتعدّدة الألوان والإفراط في الزخرفة تقليداً للعمارة القاهريّة وتماشياً معها.
الآثار الإسلاميّة في مدينة دمشق. تأليف كارل فولسينجر وكارل فاتسينجر تعريب قاسم طوير وتحقيق عبد القادر ريحاوي.
Ross Burns. Damascus: A History. Routledge 2005.
Gérard Degeorge. Damas: Des origines aux Mamluks. L'Harmattan 1997.
Victor Guérin. La Terre Sainte. Paris Librairie Plon 1882.
Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die Islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924.
No comments:
Post a Comment