قدّر لهذا الكتاب الثمين أن يرى النور عام ١٩٨٧ بعد أكثر من أربعين عاماً من وفاة مؤلّفه وعلاوة على ذلك فقد طبع في بريطانيا رغم أنّه باللغة العربيّة. أوّل ما خطر على بالي لدى قراءة العنوان هو عنوان مشابه لكتاب عن دمشق للبريطاني Colin Thubron في منتصف الستّينات ولكن الفرق بين الكتابين كبير للغاية وما يجمعهما الموضوع (دمشق) وجمال الإخراج وجودة الورق والتجليد وجمال الصور. الكتاب الإنجليزي أطلى لغة وأقلّ تبنيّاً لأسلوب "الوعظ" وأكثر تركيزاً على معالم دمشق الكلاسيكيّة (أي الإغريقيّة الرومانية) شأنه في ذلك شأن الكثير من الكتب الغربيّة وأغنى صوراً وتلحق فيه على الأقلّ خريطة جيّدة للمدينة. كتاب عبد العزيز العظمة بالمقابل أغنى بالتفاصيل والمعلومات والإحصاءات والأسماء والتواريخ وأوسع مدىً وأكثر تركيزاً على الأمور التي تهمّ المسلمين بالدرحة الأولى ثقافيّاً ودينيّاً وتاريخيّاً.
عبد العزيز العظمة (١٨٥٦-١٩٤٣) هو الأخ الأكبر لبطل ميسلون يوسف العظمة (١٨٨٤-١٩٢٠) وأمّا عن كتابه فقد أنجزه بين ١٩٣٠ و ١٩٣٧ وهو في الأصل ثلاثة أجزاء: الأوّل عن دمشق وتقسيماتها وأسواقها ودورها وعاداتها والتعليم فيها وأسباب رزقها. الجزء الثاني عن "تاريخ العرب" من "سام ابن نوح" إلى القرن الثامن عشر وقد حذف هذا القسم من الكتاب المنشور لأنّه -حسب المحققّ اللغوي والتاريخي نجدة فتحي صفوة- "مختصر لما جاء في كتب التاريخ الأخرى....وهي مادّة يمكن مراجعتها في أيّ كتاب". القسم الثالث عن تاريخ سوريا الحديث بداية من حملة نابوليون عام على مصر وسوريا عام ١٧٩٨ ونهاية بالانتداب الفرنسي. النسخة الأصليّة للكتاب محفوظة في مكتبة الأسد الوطنيّة وهي _أيضاً حسب السيّد صفوة "مثقلة" بالأخطاء اللغويّة وأخطاء التسميّة وعزا المحقّق ذلك لكون المؤلّف تركي الثقافة وبالتالي أقلّ تمكّناً من اللغة العربيّة (وهو أيضاً تركيّ أو على الأقلّ عثماني الهوى كما سنرى).
بغضّ النظر عن الأخطاء (وهي موجودة حتماً حتّى بعد التنقيح والمراجعة) يبقى الكاتب "بسبق حائز تفضيلا" وتطرّق إلى الكثير ممّا تغفله معظم المراجع المعاصرة خصوصاً العربيّة منها وأبدى رأيه -بغضّ النظر عن سداده ولباقته السياسيّة- بصراحة وبراءة وعفويّة دون تنميق أو تزويق وأوصى أولاده بعدم حذف أو تعديل أي فقرة من الكتاب حتّى لو خالفت معتقداتهم (وهي بالتأكيد خالفت هذه المعتقدات إذ ساهم أولاده بشكل أو بآخر في ما يسمّى "الثورة العربيّة الكبرى" التي عارضها السيّد عبد العزيز أشدّ معارضة).
لربّما كان من الصعب الحصول على نسخة ورقيّة من الكتاب في الوقت الحالي ولحسن الحظّ يمكن مطالعته بالمجّان على الرابط التالي:
https://www.pinterest.com/pin/199706564708583547/?lp=true
للحديث بقيّة.
No comments:
Post a Comment