رأى هذا الكتاب النور عام ٢٠١٠ وعلّه أحدث دليل ورقي لدمشق الحبيبة حتّى اليوم. قامت السيّدتان كارول قرم (لبنانيّة) وميّ معمرباشي (حلبيّة الأصل) بتحريره وساهم فيه الكثيرون كما سنرى. لكلّ عمل مناقبه ومثالبه وليس هذا الكتاب باستثناء وسأبدأ باالنواقص وأهمّها على الإطلاق ضعفه من الناحيتين التاريخيّة والتوثيقيّة سواء تعلّق الأمر بالتاريخ الموغل في القدم أو الحديث والمعاصر. الأخطاء كمّاً ونوعاً تزيد إلى حدّ بعيد عمّا يمكن اعتباره مقبولاً وسأكتفي ببعض الأمثلة:
١. صفحة ١٧ قسطنطين الكبير يعلن المسيحيّة ديانة رسميّة ويحرّم الديانات الوثنيّة عام ٣٩٢ للميلاد (الصحيح ثيودوسيوس طبعاً).
٢. صفحة ١٩ قوات Vichy تقصف دمشق عام ١٩٤٥ (انتهى وجود القوّات المواليّة لحكومة Vichy في سوريا عام ١٩٤١).
٣. ثالثة الأثافي (صفحة ٣٥) "جامع أنور السادات" في دمشق والمقصود طبعاً جامع الأقصاب أو جامع السادات الزينبيّة. الخطأ هنا كوميدي بامتياز.
ليست هذه الأمثلة الثلاثة سوى غيض من فيض وبالتالي فليست هذه الصفحات (٢٠٠ ونيّف) بمرجع موثوق عن تاريخ المدينة لا من ناحية التسلسل الزمني ولا الحقائق ولا الطبوغرافيا رغم الجهد المبذول فيها.
تأتي الآن إلى المزايا -وهي كثيرة- وفي كلّ الأحوال "إنّ الحسنات يذهبن السيّئات".
الكتاب صغير الحجم خفيف الحمل جيّد الورق حلو الطباعة سهل الأسلوب وتزيّنه عدّة صور رقميّة ملوّنة عالية الجودة والعديد من الخرائط البسيطة الجذّابة. لغته انجليزيّة وهذا يجعله في متناول أكبر عدد ممكن من زوّار المدينة وهنا يجب التوكيد أنّ اهتمام معظم السيّاح في كافّة بلاد العالم يتجاوز المعالم الأثريّة مهما بلغت عراقتها. السائح يريد فندقاً يبيت فيه ومطاعماً يرتادها وأسواقاً يشتري منها ما يروق له من المنتوجات المحليّة وأماكناً للّهو والتسلية وبالتالي فما يهمّ السائح في أي دليل هو معلومات عن المواصلات وأكلاف الإقامة والمأكولات المحليّة والتحف الشرقيّة وعلب الليل ودور السينما والمسارح والمصارف والهواتف المفيدة والطبابة إذا استدعى الأمر وكيفيّة الحصول على تأشيرة دخول وهلمّجرّا. كلّ هذه المعلومات وأكثر موجودة في هذا الكتاب الذي يعطي أيضاً عناوين المواقع الإلكترونيّة عندما تتوافر.
جميع الفنادق المذكورة غالية بمقاييس سوريا وكلّ الأسعار فوق ١٠٠ دولار بالليلة وبعضها يتجاوز ٢٠٠ (لم تتنازل المؤلّفتان بذكر السميراميس مثلاً). تتواجد كثير من هذه الفنادق في دمشق القديمة داخل السور وهي بالطبع بيوت شاميّة تمّ تجديدها وتحويلها لأوتيلات باذخة. خلافاً للفنادق هناك خيارات تناسب جميع الميزانيّات فيما يتعلّق بالمطاعم من المكلفة (شرقيّة الطراز كانت أم غربيّة) إلى المحلّات الشعبيّة كشاورما الصدّيق وفول بوز الجدي وعلاوة على هذه وتلك هناك حيّز لا بأس به خصّص للحلويّات الدمشقيّة وأشهر المحلّات التي تقدّمها من بكداش في سوق الحميديّة إلى غراوي وسميراميس والزنبركجي. تذكّر المؤلّفتان بأنّ عاصمة المأكولات الشهيّة في سوريا حلب وليست الشام. حظيت حمّامات دمشق أيضاً بذكر خاصّ (التيروزي وأمّونة والملك الظاهر والبكري) وهناك تغطية لدار الأوبرا والأوركسترا السوريّة والمهرجانات السينمائيّة والمعارض الفنيّة وصالات الرياضة والمقاهي وغيرها.
تناولت البضع عشرات الأخيرة من الكتاب مواضيع مختلفة بشكل مقالات قصيرة تتراوح بين ٢-٥ صفحات لعدّة كتّاب أخصّ منهم بالذكر Brigid Keenan صاحبة الكتاب الجميل "Damascus: Hidden Treasures of the Old City" وبالطبع غطّى مقالها البيوت (بالأحرى القصور) الدمشقيّة العريقة و Christa Salamandra أخصّائيّة الأنثروبولوجيا ومؤلّفة "A New Old Damascus" وهو كتاب يبحث في خلفيّات عودة النخبة إلى المدينة القديمة بداية من التسعينات ليس بهدف سكن البيوت التي أخلاها آباؤهم وأجدادهم وإنّما بهدف استثماها كمطاعم وفنادق أو الاستمتاع بجوّ "تقليدي" حديث. تعرّضت الكاتبة -فيما تعرّضت إليه- إلى أثر المسلسلات التلفزيونيّة وخصوصاّ "باب الحارة" في نشر اسم دمشق وثقافتها وفولكلورها عبر العالم العربي وحتّى ما وراء البحار. مسك الختام مقال قصير للعالم السوري الكبير الدكتور عبد الكريم رافق عمّا أسماه "المنافسة بين حلب ودمشق" في العهد العثماني من الناحيتين الاقتصاديّة والتجاريّة.
كتاب ممتع وجهد مشكور للسيّدتين قرم ومعمرباشي وعسى الطبعات المقبلة تتلافي الهفوات المذكورة أعلاه.
No comments:
Post a Comment