Monday, May 28, 2018

كرمة الجامع الأموي


ركّز رواة القرون الوسطى على عنصرين من عناصر زخرفة الجامع الأموي: الأوّل هو الفسيفساء والثاني الكرمة (وأقدم ذكر لها في اين عساكر). هناك عدد لا بأس به من الدراسات التي تصف تفاصيل الفسيفساء وتفسّر معانيها ولكن نصيب الكرمة من الاهتمام كان أقلّ بكثير والسبب بسيط، لا زلنا نملك قسماً كبيراً من الفسيفساء رغم نوائب الدهر وجهل الإنسان وأمّا عن الكرمة فقد اندثرت في أعقاب حريق عام ١٨٩٣ إلى غير رجعة ومع ذلك فالأدلّة الكتابيّة والصوريّة على وجودها قاطعة ولا تقبل الدحض وتعطي فكرة معقولة عن شكلها وأبعادها ومكان تواجدها ممّا أتاح للدكتور Finbarr  الفرصة ليعطيها مشكوراً بعض حقّها. 

الجدار القبلي للجامع الأموي قبل حريق ١٨٩٣ للميلاد


من نافل القول أنّ استعمال الكرمة كعنصر زخرفي (كما هو الحال في الفسيفساء) سابق للإسلام والمسيحيّة وهو (أيضاً شأنه شأن الفسيفساء) يحمل معانٍ دينيّة (الجنّة التي وعد الله بها المؤمنين وأيضاً الربط بين الكرمة التي تظلّل العرش الإلهي وتمثيلها في هيكل سليمان حسب الرواة والذي نقل عنه المسلمون رمزيّاً في كرمة قبّة الصخرة) وزمنيّة (كما استعملها ملوك السلالة الأخمينيّة في إيران) وجماليّة ونراه في كنيسة آيا صوفيا في القسطنطينيّة كما نراه في بعض المعابد الوثنيّة (كمثال بعض الآثار النبطيّة جنوب سوريا) التي يرتبط فيها اسم الإله الإغريقي Dionysus (الروماني Bacchus) بالخمر والكروم. مع ذلك هناك فرق بين موضع الكرمة في المعابد الوثنيّة (مؤطّرة للأبواب وفوق سواكفها) وبينه في الجامع الأموي (داخل حرم الصلاة). 

الصورة العليا للكرمة كما تظهر على قطع رخاميّة من الجامع الأموي والسفلى لحرم الصلاة من من الغرب إلى الشرق قبل حريق ١٨٩٣ ويبدو شريط الكرمة في الخلفيّة وإن تعذّرت رؤية التفاصيل


لربّما كانت لوحة الفنّان Frederic Leighton التي نفّذها بين الأعوام ١٨٧٣-١٨٧٥ أفضل وصف للكرمة المذهّبة كما بدت في جدار قاعة الصلاة القبلي بشكل شريط بين الوزرة (dado أي الجزء السفلي المزخرف من الجدار) والفسيفساء التي تعلوا هذا الجدار. لا يوجد طريقة مضمونة اليوم لتحديد عرض الشريط بدقّة إذ قدّره Creswell بحوالي ٦٠ سنتمتراً بينما ارتأى Finbarr أنّ رقم ٤٥ سنتمتراً هو الأقرب للصواب. في كلّ الأحوال يمكن الاستدلال من الصور الفوتوغرافيّة الملتقطة قبل حريق ١٨٩٣ أنّ هذا الشريط كان يدور على جدران حرم الصلاة الأربعة وأنّه كان على ارتفاع يتراوح بين ٣-٤ أمتار عن أرضيّة الجامع وأنّ تقنيّته تتلخّص في تطبيق عجينة داكنة اللون للخلفيّة مع تذهيب النحت البارز وأنّه كان متمّماً لنقوش كتابيّة زيّنت الحائط الجنوبي لحرم الصلاة. 



قضى حريق ١٣١١ للهجرة (١٨٩٣ للميلاد) على الكثير وكانت الكرمة من ضحاياه أو بالأحرى ضحايا ما بعد الحريق. لماذا ما بعد الحريق؟ السبب ببساطة وجود صور فوتوغرافيّة لأقسام كبيرة من إفريز الكرمة المذهّب التي نجت من اللهب وتمّ جمعها وتخزينها بهدف إعادة استعمالها في الترميم ولكن لم يقدّر لها في نهاية المطاف أن تعود إلى مكانها الأصلي. مع ذلك نستطيع من هذه الصور أن نميّز أنّ شريط الكرمة لم يكن ١٠٠% "كرمة" نظراً لتناوب العنب والرمّان فيه كما نرى من الصورة والرسم أدناه.

الصورة العليا لإفريز الكرمة فوق المحراب قبل حريق عام ١٨٩٣ والسفلى ترسيم توضيحي للكرمة 


.للحديث بقيّة

No comments:

Post a Comment