يعطي الراحل عبد العزيز العظمة وصفاً مفصّلاً لمدينته التي أحبّها كلّ الحبّ وقد اعتمد الكثير من الباحثين لاحقاً على المعلومات التي وثّقها. من الملفت للانتباه أنّ الكتاب خالي تماماً من الخرائط وهذه نقيصة لا يمكن الاستهانة بها وفي نفس الوقت لا يمكن لومها على المؤلّف الذي مات قبل أربعين عاماً ونيّف من نشر عمله ويا حبّذا لو أعيد طبع الكتاب مع الخرائط التي لا غنى عنها لتحديد التقسيمات (الأثمان) والشوارع والأوابد التي يتعذّر فهمها دون خرائط اللهمّ ألّا لمن يعرف دمشق مسبقاّ معرفة دقيقة. قام ابن عساكر بوصف دمشق في القرن الثاني عشر واستطاع العالم Nikita Elisséeff في منتصف القرن العشرين رسم خريطة لدمشق كما كانت في زمن ابن عساكر استناداً على كتابات هذا الأخير فإذا كان ذلك في حيّز الإمكان بعد انقضاء ٨٠٠ سنة فبالأحرى أن يكون ممكناً بعد بضع عشرات من السنوات خصوصاً وأنّ الكثير من الخرائط العالية الدقّة أصبحت متوافرة اعتباراً من القرن التاسع عشر.
يستطرد الكاتب من خلال بضع صفحات (٥٥ إلى ٦١) إلى محاولة تغطية المذاهب الإسلاميّة (سنّة ومعتزلة وشيعة ومرجئة وخوارج) مع تفرّعاتها ووصف مختصر لكّل منها سيّان عنده إذا انقرضت أو كانت لا تزال موجودة وحكماً محاولة تغطية ما يتطلّب مجلّدات في صفيحات معدودة محكوم عليها بالفشل مسبقاً مع تقديري للجهد المبذول فيها. علاوة عن سطحيّة هذه التغطية فعلاقتها بدمشق مشكوك بها خاصّىة وأنّه لا يوجد تغطية مشابهة للطوائف غير الإسلاميّة التي كان ولا يزال وجودها في المدينة ملموساً وإن ذكر المؤلّف عادات (وليس معتقدات) هذه الطوائف تحت باب آخر.
كان عبد العزيز العظمة مسلماً سنيّاً محافظاً ينظر "للبدع" عموماً بعين الشكّ والريبة فهو مثلاً (صفحة ٧١) ضدّ "نور الكهرباء الشديد الذي ساقنا إليه حبّ التقليد والاعتياد" والذي اعتبره مضرّاً للبصر وضدّ استعمال المواقد الكهربائيّة والصوبات أو الصوبيات للتدفئة كونها تسبّب "صداعاً في الرؤوس ونقصاً في الجيوب" وضدّ السفور (صفحة ٧٥) والمساواة بين الجنسين وضدّ السينما والمراقص (صفحة ٧٩) التي تحتوي على "كلّ مفسد للأخلاق" ويتحسّر (صفحة ١٣٩) على إضاعة "ثروة الآباء" على "السيّارات والطيّارات والدرّاجات والتليفون والراديو وغيرها من مخترعات هذه الأيّام" ويندب (صفحة ١٤٤) التخلّي عن الدواب كوسيلة للنقل ولكنّه يستدرك (صفحة ١٤٧) فيدعو إلى إقامة معمل للسيّارات في سوريا يغنيها عن الإستيراد ويبدو أنّه -على كرهه للتقنيّة الحديثة- أدرك في نهاية المطاف أنّ هذه التقنيّة لا غنى عنها إذا أرادت سوريا أن تلحق بركب العالم المتقدّم لا بل وينظر بعين الرضا والفخر إلى مدّ سكك الحديد إلى بلاده وخصوصاً الخطّ الحديدي الحجازي الذي دعى إليه السلطان عبد الحميد خان (الذي كان يحترمه إلى أقصى الحدود) والذي خرّبه الثوّار العرب بقيادة لورانس في الحرب العظمى.
خصّص المؤلّف حيّزاً صغيراً -على غناه بالمعلومات- للبيوت الدمشقيّة وتقسيماتها ومسمّيات وحداتها ومكوّناتها كما وصف الأثاث والثياب والزينة والسهرات والسيارين (جمع سيران) والخطبة والزواج والجهاز والعرس والختان والأعياد القديمة منها والمحدثة والمآتم وأصناف الطعام والمدارس والمناهج والنباتات والحيوانات والصنائع والتجارة وكثير غيرها من المعلومات التي لا تقدّر بثمن.
للحديث بقيّة.
حبذا لو أعيد طباعته .. و جميع الخرايط المهمة ااتي ذكرها الكتاب (( موجودة )) لدينا ، و أنا بصراحة قادر على رفد هذا الكتاب بالخرايط و الصور الضوئية لكل ما ورد فيه .
ReplyDelete
Deleteليس عندي أدنى شكّ أستاذ عماد وجهودك ومقالاتك المنشورة في العديد من المواقع الإلكترونيّة تشهد بكلّ ذلك وأكثر
و لكن ينقصي ( التفرغ التام للكتاب ) و الدعم المالي حتى يصار الى اعادة إصداره .. و سيكون من أفضل الكتب التي وثقت دمشق بالفترة المذكورة .
ReplyDeleteوسأكون من أوائل من يقرؤونه
Delete