يقصد الدكتور فيليب حتّي بالسورييّن هنا سكّان سوريا الحاليّة واسكندرون ولبنان وفلسطين أي بلاد الشام قبل الحرب العالميّة الأولى والتي تمتدّ من جبال طوروس والفرات شمالاً إلى سيناء جنوباً ومن بادية الشام شرقاً إلى البحر المتوسّط غرباً. لا غرابة في ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الكتاب إصدار عام ١٩٢٤ ولم يكن من الواضح آنذاك مدى ديمومة الكيانات الجغرافيّة-السياسيّة التي خلقتها بريطانيا العظمى وفرنسا في الشرق الأدنى على المدى البعيد. الدراسة هنا تستهدف المهاجرين السورييّن لأمريكا وليس الوطن الأمّ وهي تبدأ بتعريف مختصر بالبلاد الأصليّة وقاطنيها ومن ثمّ تنتقل إلى دوافع الهجرة وأخيراً تفصّل في وضع السورييّن في وطنهم الجديد من النواحي الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والتعليميّة والدينيّة والثقافيّة ويختم المؤلّف ببعض المقترحات لتسهيل "هضم" المهاجرين في ما وراء الأطلسي.
لم يكن مفهوم المواطنة والقوميّة متطوّراً في بلاد الشام وقتها. السوريّون عشائريّون في الوطن والمهجر ويتّبعون نظام الملّة (أي الدين أو الطائفة) كما توارثوه من العهد العثماني وما سبقه ويضرب مثالاً على ذلك ببطرك الموارنة الذي مثّل مشاعر مسيحييّ لبنان "السياسيّة" وطموحاتهم "القوميّة" في مؤتمر السلام في باريس عام ١٩١٩. يميّز السورييّن أمران: الأوّل لغتهم العربيّة (وهي تجمعهم) والثاني دياناتهم وهي تفرّق طوائفهم بعضها عن بعض ولكنّها تجمع أفراد الطائفة الواحدة تحت قيادة زعاماتها الدينيّة.
أمّ سوريّة مع ابنها الأمريكي |
الغالبيّة العظمى ممّن هاجروا لأمريكا مسيحيّون وأكثرهم موارنة (٩٠٠٠٠) وروم أورثوذوكس (٨٥٠٠٠) وهناك عدد أقلّ من الروم الكاثوليك Greek Catholics (يخلطهم كثيرون مع ال Roman Catholics والذين يصنّفون في سوريا لاتين) وهناك أقليّة صغيرة من الإنجيلييّن أو البروتستانت. عدد المسلمين لا يزيد عن ٨٠٠٠ وأوّل مساجدهم كان في Detroit عام ١٩٢١ وهناك مسجد آخر في Gary في ولاية Indiana. لا توجد إحصاءات عن اليهود السورييّن لأنّهم كانوا يحتسبون مع سائر اليهود المهاجرين للولايات المتّحدة وليس كسورييّن. للمقارنة قدّر عدد سكّان الولايات المتّحدة الإجمالي عام ١٩٢٠ بحوالي ١٠٦ مليون.
أوّل سوري يطأ أمريكا كان لبنانيّاً يدعى أنطونيو بشلاني وكان هذا في Boston عام ١٨٥٤ أمّا أوّل دمشقي فهو جوزيف أربيلي عام ١٨٧٨. بشكل عامّ المهاجرون الأوائل كانوا من الذكور الشباب الفقراء (الأفضل حالاً هاجروا إلى مصر) والمسيحيّون أميل لاصطحاب نسائهم من المسلمين والدروز. أسباب الهجرة بالطبع اقتصاديّة بالنسبة للغالبيّة العظمى وهناك عوامل إضافيّة كالتهرّب من الخدمة العسكريّة في الجيش العثماني الذي فرضها على المسيحييّن عام ١٩٠٩ وبالطبع هناك عوامل دينيّة وسياسيّة إضافيّة وغيرها.
الكشّافات والكشّافون من السورييّن الأمريكان |
خدم السوريّون أمريكا بإخلاص بحبّهم للعمل وتكاتف عائلاتهم وندر من استجدى منهم وهم عموماً متحفّظون ينأون عن السكر والعربدة وإناثهم بالذات عفيفات. علاوة على كلّ ذلك تطوّعوا في الجيش الأمريكي وحاربوا تحت رايته قبل إلزام الشباب بالخدمة عندما لم بعد عدد المتطوّعين كافياً مع احتدام وطيس الحرب العظمى (دخلتها الولايات المتّحدة عام ١٩١٧).
ينهي الدكتور حتّي كتابه بمجموعة من التوصيات "لأمركة" المهاجرين السورييّن وأهمّها بالنسبة إليه تعزيز دور الكنيسة إذ مع زيادة عدد المهاجرين الداخلين في حياة أمريكا الدينيّة تتسارع وتتحسّن عمليّة صهرهم في بوتقة الوطن الذي تبنّاهم.
No comments:
Post a Comment