لا يوجد لدينا معلومات دقيقة عن مكان قصر الحاكم في العهود السابقة للإسلام وإن اعتقد بعض المؤرّخين وعلى رأسهم المستشرق الفرنسي Jean Sauvaget أنّه كان في العصر الهلنستي على بعد حوالي ٣٠٠ متر جنوب شرق المعبد على الطرف الجنوبي من الشارع المستقيم كما نرى من الخارطة أدناه.
دمشق الهلنستيّة-الرومانيّة حسب جان سوفاجيه |
فيما يتعلّق بقصر معاوية المدعو الخضراء فعلى الأغلب كان أقرب بكثير إلى حرم المعبد ومسجد الصحابة الواقع جنوب شرق هذا المعبد كما رأينا وأمّا عن تسمبته فهي عائدة لقبّته الخضراء والتي لربّما رمزت للقبّة السماويّة وكان الحيّ غرب قصر معاوية يدعى بحارة القباب نظراً لتواجد عدد من القصور الأمويّة فيه وآوت هذه المنطقة أيضاً داراً للخيل الملكيّة (جنوب باب الزيادة) وسجناً وداراً لسكّ النقد وديواناً أو هكذا على الأقلّ روى ابن عساكر. النتيجة أنّه بغضّ النظر عن المسافة بين دار العبادة وقصر الإمارة، هناك ما يدعوا للاعتقاد أنّ هذا القصر كان دوماّ جنوب الجدار القبلي للمعبد من العصر الهلنستي مروراً بالروماني والبيزنطي ووصولاً إلى العهد الإسلامي. هذا النموذج لم يقتصر على دمشق بل كان شائعاً في العمائر الأمويّة كما وصفها المؤرّخون.
يعرف عن معاوية بدعة بناء مقصورة بجانب محراب الصحابة كان يدخل إليها من خلال باب في الجدار القبلي للمسجد دعاه المقدسي باب الخضراء وكان بمثابة باب خاصّ للخليفة وحده يدخل منه من قصره إلى الجامع الواقع في القسم الشرقي للمعبد القديم مروراً برواق يصل بينهما من الجنوب إلى الشمال وكما نرى من المخطّط أدناه كان هناك مدخلان في الجدار القبلي للمعبد الأوّل شرقي وخاصّ (باب الخضراء) والثاني غربي (باب الزيادة أو باب الساعات الأوّل) وهذا الأخير عامّ وإت استعمله الخليفة في المناسبات التي يدخل فيها إلى الحرم مع من يواكبه بصورة رسميّة ومهيبة متّخذاً طريقاً يبدأ من قصر الخضراء متّجهاً إلى الغرب حتّى النصب الرباعي الوجوه tetrapylon ثمّ ينعطف شمالاً ٩٠ درجة قبل الدخول من باب الزيادة-الساعات. يعود الفضل في وصف بقايا هذا الطريق-الرواق المعمّد للمبشّر الإيرلندي Porter ويمكن هنا التساؤل عمّا إذا أعاد الوليد بناء الخضراء أو أجرى تعديلات عليه ولكنّنا لا نملك جواباً شافياً في هذا المضمار.
الجامع الأموي وقصر الخضراء حسب فينبار |
من المثير للاهتمام هنا المقارنة بين علاقة قصر الخضراء مع الجامع وبين علاقة القصر الإمبراطوري في القسطنطينيّة مع كاتدرائيّة آيا صوفيا. في الحالتين يقع القصر جنوب المعبد وفي الحالتين هناك ممرّ شرقي خاص لاستعمال الحاكم يتّجه شمالاً ليصل بين القصر والمعبد وآخر غربي عامّ يتّجه من القصر إلى الغرب ثمّ ينعطف شمالاً ليدخل هذا المعبد عن طريق باب الزيادة-الساعات في النموذج الإسلامي وما يسمّى Horologion نسبة للساعة في النموذج البيزنطي. لا يملك المرء إلّا الاستنتاج أنّ الأمويّين اقتبسوا ليس عناصراً معيّنةً من الزخارف والبناء من الروم فحسب، وأنّما أيضاً التخطيط العامّ لمركز المدينة وتوجّه أهمّ أوابدها الزمنيّة والدينيّة وعلاقة هذه الأوابد بعضها بالبعض الآخر اللهمّ إلّا إذا اعتقدنا بوجود نوع من توارد الخواطر. يمكن تفسير هذا بإعجاب الأموييّن بالحضارة البزنطيّة واحترامهم لإنجازاتها رغم العداوة بين الطرفين أو بمحاولتهم للتفّوق على بيزنطة ثقافيّاً وجماليّاً وفنيّاً كما هزموها عسكريّاً في أكثر من مناسبة (الجامع الأموي مع صحنه أكبر بكثير من كاتدرائيّة آيا صوفيا) أو بطموحهم إلى فتح القسطنطينيّة التي جذبتهم كالمغناطيس كما جذبت الصليبييّن (مطلع القرن الثالث عشر) والعثمانييّن (منتصف القرن الخامس عشر) والروس (على الأقلّ اعتباراً من القرن التاسع عشر) من بعدهم. نحح الصليبيّون والعثمانيّون حيث فشل الأمويّون وقياصرة الروس.
مقارنة بين قلب القسطنطينيّة وكاتدرائيّة آيا صوفيا وبين الأموي والخضراء في دمشق حسب فينبار |
للحديث بقيّة
https://books.google.com/books?id=r5f8kxIyykQC&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false
No comments:
Post a Comment