Sunday, May 27, 2018

ترجمة فسيفساء جامع بني أميّة الكبير

من المؤكّد أنّ فسيفساء جامع دمشق الأموي الحاليّة تقلّ عن نظيرتها في عهد الوليد ابن عبد الملك كمّاً ولربّما أيضاً نوعاً. ليس هذا بمستغرب في جامع يتجاوز عمره ١٣٠٠ سنة مرّ عليه خلالها أكثر من الكفاية من الكوارث منها الطبيعيّة ومنها من نجم عن إهمال البشر وتخريبهم. قصّة الفسيفساء التي كات مغطّاة بالكلس والتي كشفها السيّد de Lorey في عهد الانتداب الفرنسي معروفة وكذلك الأمر فيما يتعلّق بالخسائر الناجمة عن حريق ١٨٩٣. 

Photo source:  DEGEORGE. La Grande Mosquée des Omeyyades


يرى الكثير من العلماء أنّ فسيفساء الأموي بقصورها وأنهارها وأشجارها ترمز إلى جنّتين إحداهما سماويّة وعد الله بها المؤمنين والثانية أرضيّة هي مدينة دمشق وغوطتها ومبانيها ونهرها بردى ولكن دراسة الدكتور Finbarr لا تهدف إلى تغطية فسيفساء الجامع بالتفصيل وإنّما تركّز على عنصر محدّد فيها هو "اللآلىء المعلّقة" التي نراها بوضوح في الصورة أعلاه. استعمال اللؤلؤة المعلّقة في الزخارف والفسيفساء سابق للإسلام ونرى نماذج منه في الشرق المسيحي لدى الأقباط والبيزنطييّن وله معاني رمزيّة (أحدها صفاء وإشعاع المسيح) علاوة على قيمته الجماليّة. الدرّة تمثّل أيضاً المصباح والنجوم في القبّة السماويّة ومنازل المؤمنين في الجنّة كما فصّل عبد الملك ابن حبيب الأندلسي (مات ٨٥٣ للميلاد) في كتاب وصف الفردوس :

"وحدّثني بعضهم أنّ في كلّ خيمة من خيام الجنّة التي هي من لؤلؤة مجوّفة طولها أربع فراسخ في أربع فراسخ وفي الارتفاع مثل ذلك سرر عليها من الدرّ والياقوت وعلى كلّ سرير فرش منضودة ملوّنة بعضها فوق بعض وأمام كلّ سرير طنفسة قد طبقت الخيمة منسوجة بالدرّ والياقوت والزبرجد في قضبان الذهب والفضّة وعلى كلّ سرير زوجة من الحور االعين يطفىء نورها نور الشمس مع كلّ زوجة سبعون جارية وسبعون غلاماً كما قال الله: ويطوف عليهم غلمان كأنّهم لؤلؤ مكنون".

A watercolor painting by Phené Spiers of the hall of prayers looking north prior to the 1893 fire


يروي إبن عساكر أنّ الوليد طالب مساعدة "طاغية" الروم في بناء الجامع الأموي في دمشق تحت طائلة غزو أراضي الروم وتدمير الكنائس المسيحيّة (منها كنيسة القيامة) تحت حكم الأموييّن إذا امتنع الإمبراطور عن التلبية. على الأغلب خضع نصّ هذه الرسالة المزعومة إلى الكثير من "التبهير" بين موت الوليد وعصر إبن عساكر (القرن الثاني عشر للميلاد) ولكن من الملفت للنظر أنّه يعزى للوليد طلب مساعدة الروم في بناء جامع دمشق وإعادة بناء جامع المدينة (تقول الروايات أيضاً أنّ أمويّي الأندلس التمسوا مساعدة بيزنطة لبناء جامع قرطبة) وليس هناك ذكر مماثل لمساهمة بيزنطيّة -طوعيّة كانت أم قسريّة- في الجامع الأقصى وقبّة الصخرة وكلا الأخيرين خال من الدرر المعلّقة ممّا يعزّز فكرة كون هذه اللآلىء نموذجاً ترجمه الأمويّون عن مصادر سابقة عن طريق القسطنطينيّة.



للحديث بقيّة 



No comments:

Post a Comment