Tuesday, May 29, 2018

ساعات الجامع الأموي‎

قبل الدخول في البحث دعنا نلقي نظرة سريعة على مخطّط المبشّر الإيرلندي Josias Leslie Porter عام ١٨٥٥ للجامع الأموي والمنطقة المحيطة به. يقرّ جميع المؤرّخين بالدقّة غير المسبوقة حتّى ذلك الوقت لهذه الخارطة والتي نرى فيها شمال الجامع من الشرق إلى الغرب المدرسة الشميساطيّة فالقنصليّة الإنجليزيّة (بيت سعيد القوّتلي) فضريح صلاح الدين وأخيراً المدرسة الظاهريّة. سوق الكتب في الغرب هو المسكيّة طبعاً  ونرى سوق العبيد في الجنوب الغربي (خان الجوار أو خان الحرمين) ولكن ما يهمّنا هنا بالدرجة الأولى جدار الجامع الجنوبي وباب الزيادة قرب نهايته الغربيّة حيث شاهد Porter بقايا رواق معمّد يتّجه من باب الزيادة متعامداً عليه إلى الجنوب لينعطف إلى الشرق لدى نصب رباعي الوجوه  Tetrapylon ليتابع مسيره موازياً لسور الجامع الجنوبي. كان هذا الرواق لا يزال موجوداً عام ١٨٧٦ استناداً إلى دليل Baedeker واندثر قبل نهاية القرن التاسع عشر. 



لنا عودة إلى باب الزيادة ولكن قبل ذلك أريد التطرّق إلى ساعة باب جيرون الشهيرة التي بناها  محمّد ابن علي ابن رستم الخراساني الساعاتي في عهد نور الدين على الأغلب بين ١١٥٤ و ١١٦٧ للميلاد. وصف ابن جبير الأندلسي هذه الساعة وصفاً دقيقاً ودون الدخول في التفاصيل يكفي القول أنّ الجزء المرئي منها تشكّل من غرفة ذات اثني عشر باباً ويقاس الوقت فيها نهاراً عن طريق أوزان تسقط من منقار أحد الطيور في وعاء في الأسفل لدى انصرام ساعة من الزمن محثة صوتاً أمّا ليلاً فهذا القياس يتمّ عن طريق أضواء يستعاض بها عن الأصوات في قرص كبير يعلوا الأبواب كما نري في الرسم أدناه. نستدلّ من وصف ابن جبير (أواخر القرن الثاني عشر) أنّ هذه الساعة آليّة ولكن ابن بطوطة وصفها باليدويّة في مطلع القرن الرابع عشر وعلّ هذا يعود لعطل أصابها بين الزمنين. بالطبع لم يكن هناك ضرورة لبناء ساعة معقّدة ومكلفة لهذه الدرجة إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود وسائل لقياس الوقت أرخص بكثير كالساعة الشمسيّة التي اخترعها ابن الشاطر لمئذنة العروس (والتي ذكرها الدكتور عبد القادر ريحاوي ونستنتج من هذا أنّ الهدف من ساعة باب جيرون كان نفسيّاً وجماليّاً لإبهار الزائر والسكّان على حدّ سواء بتقدّم وغنى دمشق. أعطت هذه الساعة لباب جيرون اسم باب الساعات وأمّا عن قبّة الساعات في شرق صحن الجامع فتستمدّ اسمها من استعمالها كمكان لخزن قطع هذه الساعات فيما مضى. دمّرت ساعة باب جيرون على الأغلب خلال حريق شبّ عام ١٣٩٢ إذ لا ذكر لها فيالمراجع بعد هذا التاريخ اللهمّ إلّا من نقل عن السلف.   

مخطّط من القرن الثاني عشر لساعة باب جيرون


هناك كمّ هائل من الالتباس في المصادر التاريخيّة بين ساعة باب جيرون والباب الذي أعطته اسمها وبين الساعة الأصليّة (التي اندثرت قبل تدوين الغالبيّة العظمى من المصادر التي وصلتنا عن تاريخ ووصف الجامع) وباب الساعات الأصلي كما ذكرهما المقدسي في القرن العاشر وأشار إليهما لاحقاً الحافظ ابن عساكر وابن شدّاد والعلموي والنعيمي بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الكلام هنا عن جدار الجامع القبلي وليس جداره الشرقي وأمّا عن كيفيّة عملها فهي غناء عصافير وظهور ثعبان ونعيب غراب وسقوط حصوة في إناء صغير بعد انقضاء كل ساعة. نستنتج ممّا سبق أنّ باب الساعات الأصلي هو ما نعرف حاليّاً باسم باب الزيادة والذي تشير الأدلّة أنّه بني بين مطلع القرن الثامن (أي لدى بناء الجامع) ومطلع القرن العاشر للميلاد ويميل الدكتور Finbarr إلى التاريخ الأبكر عندما قام الوليد بسدّ الوجهة الثلاثيّة الفخمة في جدار المعبد الجنوبي ليضع المحراب الرئيس في مكان فتحتها الغربيّة كما نرى في الرسم أدناه.

الجدار القبلي للجامع الأموي ونرى أسفل المجاز المعترض بوّابة المعبد الثلاثيّة القديمة


أدّى سدّ البوّابة الجنوبيّة إلى الحاجة لمدخل يحلّ محلّها ومن هنا باب الزيادة الذي تمّت "زيادته" أي إضافته لأبواب الجامع الثلاث الباقية قي الشرق والغرب والشمال كما وصفها (أي الأبواب الأربعة) ابن جبير خلال زيارته للمدينة عام ١١٨٤. هنا تجدر الإضافة أنّ باب الزيادة أزيح قليلاً إلى الشرق (خريطة Porter تظهر بوضوح أنّ بقايا الرواق المعمّد الجنوبي تقع على مسافة قصيرة غرب باب الزيادة)  وتمّ سدّ الباب الأصلي عام ١٣٢٨ كما نعاين في الصورة التالية:

النهاية الغربيّة لجدار الجامع القبلي ونرى آثار باب الزيادة القديم المسدود


الخلاصة باب الساعات الأصلي أو الأوّل نسية للساعة الأولى يعود على الأغلب لزمن الوليد ابن عبد الملك ويقع في الجدار القبلي للجامع ونعرفه اليوم (بعد إزاحته قليلاً إلى الشرق) تحت اسم باب الزيادة بينما باب الساعات الثاتي يطابق باب جيرون في جدار الجامع الشرقي ويعود لعهد الأتابك نور الدين.  اندثرت الساعة الأولى والساعة الثانية منذ قرون. 

للحديث بقيّة.  

No comments:

Post a Comment