Friday, June 15, 2018

ولاة دمشق من القرن الثالث عشر إلى القرن الثامن عشر


عنوان الكتاب الأصلي باللغة الفرنسيّة "حكّام دمشق تحت المماليك والعثمانييّن الأوائل" وهو يغطّي الفترة بين عام ١٢٦٠ (عندما حلّ المماليك محلّ الأيّوبييّن في الشام بعد عشر سنوات من الإطاحة بهم في مصر) وعام ١٧٤٣-١٧٤٤ أو بداية ولاية أسعد باشا العظم في دمشق. المؤلّف هو العالم الراحل Henri Laoust والكتاب ترجمة فرنسيّة لمخطوط ابن طولون الصالحي الدمشقي (مات ١٥٤٦) ومخطوط ابن جمعة (مات بعيد ١٧٤٤). الناشر هو معهد دمشق الفرنسي (يسمّى حاليّاً معهد الشرق الأدنى الفرنسي) وسنة النشر ١٩٥٢.



قام Laoust بتحقيق عمل ابن طولون وترجمته  قبل أن يصبح هذا العمل في متناول القرّاء العرب بفضل العلّامة محمّد أحمد دهمان (١٨٩٩-١٩٨٨) عام ١٩٦٤ فالأسبقيّة هنا للفرنسييّن وإن كان تحقيق دهمان أغنى بالحواشي والشروحات القيّمة. يقوم العالم الفرنسي من خلال مقدّمة شديدة الأهميّة بطول ٢٣ صفحة بتعريفنا بالمؤلّف ابن طولون وهو فقيه حنفي من مواليد صالحيّة دمشق وتلميذ نجيب لجلال الدين السيوطي والنعيمي (صاحب المرجع النفيس "الدارس في تاريخ المدارس") . عنوان كتاب ابن طولون قيد البحث هنا "إعلام الورى بمن ولّي نائباً من الأتراك بدمشق الشام الكبرى"وهو صاحب سيرة ذاتيّة (الفلك المشحون في أحوال محمّد ابن طولون) وله عدد كبير من الكتب الإضافيّة التي لا مجال للدخول بها هنا (مثلاً "القلائد الجوهريّة في تاريخ الصالحيّة" و مفاكهة الخلّان في حوادث الزمان"). يميّز Laoust في "إعلام الورى" منهجين لابن طولون: الأوّل يغطّي ٢٠٠ سنة بين ١٢٦٠ إلى ١٤٥٨ تغطية شديدة الاختصار وسطحيّة ومنقولة عن السلف خصوصاً شمس الدين الزملكاني وتتخلّلها أخطاء. الفترة الثانية من ١٤٥٨ إلى ١٥٣٦ أغنى بكثير في التفاصيل بعضها منقولة عن شهود عيان وكثير منها عاصره ابن طولون بل ورآه بأمّ عينه خصوصاً المرحلة الانتقاليّة بين آخر العهد المملوكي وأوّل العثماني وهنا لا يوجد إسناد: المعلومات مباشرة وليس "عن فلان وفلان أنّ فلاناً قال". 

نأتي الآن إلى ابن جمعة (أيضاً دمشقي وحنفي) ومخطوط "الباشات والقضاة" والذي يغطّي الفترة بين ١٥١٦ (أي بداية العهد العثماني في أعقاب معركة مرج دابق ومصرع قانصوه الغوري) وعام ١٧٤٤. أسلوب ابن جمعة أكثر اختصاراً وأقرب للعاميّة وما وصلنا من تسلسله الزمني يحتوي على الكثير من الفجوات وهو أقرب إلى المسودّة منه إلى كتاب أو مخطوط جاهز للنشر. علاوة على ذكر أسماء الولاة والقضاة في دمشق يركّز الفقيه على أصحاب الكرامات وبعض ما يقصّه صعب التصديق على الأقلّ بالنسبة للقارىء المعاصر. في كلّ الأحوال أسبقيّة تحقيق "الباشات والقضاة" ليست ل Laoust بل للعالم الكبير المرحوم صلاح الدين المنجّد (١٩٢٠-٢٠١٠) عام ١٩٤٩ أي قبل المستشرق الفرنسي بثلاث سنوات وقام المنجّد مشكوراً بمحاولة تغطية الثغرات من مصادر إضافيّة قدر الإمكان مع ذيول وشروحات (بالذات عندما يتعلّق الموضوع بمعلومات طبوغرافيّة أو منشئات عمرانيّة في دمشق وغيرها) تسهّل المطالعة ولكنّه أغفل الهوامش التي كتبها ابن جمعة بخطّ يده وأضافها Laoust إلى النصّ في المكان الذي اعتقده مناسباً. 

يركّز المؤرّخان (ابن طولون وابن جمعة) بالدرجة الأولى على الأحداث السياسيّة والظروف المعيشيّة والكوارث الطبيعيّة منها والناجمة عن طمع وجهل البشر ومعظمها شديد الكآبة ومع ذلك يمكننا الحصول عن معلومات محدودة ولكنّها ثمينة عن آوابد ومعالم دمشق المندثرة منها والموجودة (دار السعادة، جامع الأفرم، قبّة النصر، وحتّى مكان الشنق الذي كان في حيّ الخراب ثمّ انتقل إلى "ما بين النهرين" أو الجزيرة" المعروفة حاليّاً باسم ساحة المرجة أو ساحة الشهداء). الفضل في تحديد الكثير من هذه المواقع يعود لحواشي دهمان والمنجّد . هنا لا بدّ من التنويه أنّ العديد من أهمّ معالم دمشق غير مذكور على الإطلاق ومن الغريب فعلاً ألّا يشير ابن جمعة لا تلميحاً ولا تصريحاً للتكيّة السليمانيّة التي قامت على أنقاض قصر بيبرس الأبلق وحتّى الأبنية المذكورة ذكرت عرضاً ومرّ عليها الكاتبان مرور الكرام.  بالمقابل هناك فيض من أسماء علماء الدين والعسكر الذين نسيهم التاريخ أو كاد. 

الخلاصة المعطيات التي يمكن استخلاصها من المخطوطان أعلاه محدودة وناقصة وهذا بالطبع لا يقلّل من أهميّتها ولا من فضل ابن طولون وابن جمعة أوّلاً ودهمان والمنجّد و Laoust ثانياً في تغطية فترة طويلة من تاريخ دمشق لم تأخذ حقّها في المصادر المتوافرة. 



No comments:

Post a Comment