من المؤكّد أن الفسفيساء غطّت مساحات أكبر من جدران جامع بني أميّة الكبير ممّا وصلنا حاليّاً ونملك على ذلك من الأدلّة ليس شهادات زوّار الجامع من رحّالة القرون الوسطى فحسب، ولكن أيضاً وصف الفرنسي Henri Saladin للفسيفساء التي زيّنت الجدران الداخليّة للمجاز المعترض في حرم الصلاة عام ١٨٧٩ ولوحة Phené Spiers بالألوان المائيّة قبل حريق عام ١٨٩٣.
مع هذا فقد حالفنا الحظّ ونجا قسم لا بأس به من فسيفساء الوليد والفضل بذلك يعود بالدرجة الأولى لتغطيتها بطبقة من الجير في العهد العثماني. لا نعرف بالضبط تاريخ هذه التغطية ولكنّه يقع بين عام ١٦٦٤ عندما شاهدها الرحّالة الفرنسي Jean de Thévenot وعام ١٨٥٥ عندما أهدانا المبشّر الإيرلندي Josias Leslie Porter أوّل وصف علمي لجامع دمشق الكبير مع خريطة مفصّلة وعلى اعتبار أنّه لم يذكر الفسيفساء فيمكن الاستنتاج دون عناء أو التباس أنّه لم يراها كونها في ذلك الوقت مختبئة تحت الطلاء الجيري الذي حماها لعدّة قرون. هنا تجدر الإشارة أنّ جامع دمشق لم يكن الوحيد الذي تمّت تغطية فسيفسائه فهناك مثلاً فسيفساء كاتدرائيّة آيا صوفيا في القسطنطينيّة التي غطّيت في منتصف القرن الثامن عشر.
قام خبير الخطوط القديمة والمؤرّخ السويسري Max Van Berchem بدراسة الجامع بعد حريق ١٨٩٣ المدمّر وعاين بعض الفسيفساء في الجدار الشمالي للمجاز المعترض التي أزال الحريق بعضاً من الطلاء الذي غطّاها ولكن الفضل في كشف هذه الفسيفساء يعود لأوّل مدير للمعهد الفرنسي في دمشق السيّد Eustache de Lorey بالتعاون مع السيّدة Marguerite Van Berchem (ابنة السويسري Max) في أواخر العقد الثالث من القرن العشرين تحت الانتداب الفرنسي (عيّن de Lorey مديراً للمعهد الفرنسي من قبل الجنرال Gouraud أوّل مندوب سامي فرنسي في سوريا وخصم يوسف العظمة بطل ميسلون). كرّس de Lorey وقته وجهده للإشراف على كشف الفسيفساء وتأمين التمويل اللازم لعمليّة من هذا النوع وذهب إلى حدّ المساهمة بماله الخاصّ.
تكلّلت جهود de Lorey و Van Berchem بكشف مساحة ٨٧٥ متر مربّع من الفسيفساء في الصحن (جدار المجاز المعترض الشمالي) والنهاية الشرقيّة للرواق الشمالي وقبّة الخزنة وأخيراً ولكن بالتأكيد ليس آخراً الرواق الغربي وأهمّ كنوزه "لوحة بردى" بطول ٣٤ متر وعرض ٣,٧ متر. كانت الخطوة التالية بعد كشف الفسيفساء التقاط حوالي ٣٠٠ صورة وثائقيّة بالأبيض والأسود وتوكيل ثلاثة فنّانين سورييّن (السادة فهمي قبّاني وكمال كلّاس ونظمي خير) تحت إشراف المهندس العماري Lucien Cavro بنسخ قطع من هذه الفسيفساء بالحجم الطبيعي والألوان كما وجدوها وكان عدد هذه القطع تسعة ولربّما كان الهدف أصلاً نسخ كافّة الفسيفساء ولكن هذا لم يحصل.
آلت ملكيّة الصور الفوتوغرافيّة والنسخ الملوّنة إلى متحف Louvre الشهير والذي قام بالتعاون مع de Lorey بعرض هذه الكنوز في جولات في معارض أوروبا والولايات المتّحدة الأمريكيّة ليستمتع بها من لا يستطيع زيارة الجامع لرؤية الأصول.
طوى النسيان وزوايا ال Louvre الصور والنسخ في النصف الثاني من القرن العشرين إلى أن "أعيد اكتشافها" بين الأعوام ١٩٩٩ و ٢٠٠٩ واليوم يملك المتحف الفرنسي المجموعة كاملة وسأعرض بعض الصور المتعلّقة بها وبتاريخها في الأسابيع المقبلة.
<ميع المعلومات أعلاه مأخوذة من الكتاب في الصورة لمؤلّفته السيّدة Loreline Simonis فلها وللسيّدة Van Berchem والسيّد de Lorey جمّ الاحترام والتقدير والشكر.
No comments:
Post a Comment