Sunday, March 3, 2019

الصحيح الجامع لصريح الجامع


يحسن توضيح بعض النقاط قبل الدخول في محتويات وثيقة أوقاف الجامع الأموي وأبدأ بتعريف كلمة "صريح" ومرادفها هنا "كشف" أو جرد". إذاً المخطوطة هي بالدرجة الأولى جرد لأوقاف الجامع (خارج وداخل مدينة دمشق كما سنرى) ومن المعروف أنّ هذه الأوقاف كانت الأضخم والأغنى والأكثر من نوعها في دمشق ولربّما في بلاد الشام قاطبة. لا غرابة في ذلك إذا تذكّرنا أنّ الجامع الأموي والكنيسة والمعابد التي سبقته في نفس الموضع تختزل تاريخ دمشق. 

رأينا في مقال الأمس أنّ الوثيقة-المخطوطة تعود لمطلع العهد العثماني وعام ١٥١٨ (أي بعد سنتين من مرج دابق وانتصار سليم الأوّل على قانصوه الغوري) ولكن هنا يتعيّن التنويه أنّها نسخة عن وثيقة أصليّة أقدم منها بقرن من الزمن وتمّ تحريرها تحديداً عام ١٤١٣ للميلاد في عهد السلطان المملوكي المؤيّد شيخ فهي بالتالي تعكس الوضع كما كان في أواخر القرون الوسطى بعد سنوات قليلة من استباحة دمشق من قبل تيمورلنك وأجلافه وأهميّتها وقتها بالدرجة الأولى اقتصاديّة-ضريبيّة وإن كشفت لباحث اليوم تفاصيلاً ومعطياتٍ ثمينةً -بعضها غير معروف سابقاً- قانونيّة وجغرافيّة وطبوغرافيّة. 

أبعاد الوثيقة-النسخة التي أودعت في المعهد الفرنسي تبلغ ٣٠ سم x ٤٢ سم وصورتها بالكامل ملحقة في كتاب "أوقاف الجامع الأموي في دمشق" الذي شغلت منه أكثر من سبعين صفحة مزدوجة بينما تجاوز عدد صفحات المخطوطة الأصليّة (المفردة) ضعفيّ هذا الرقم. 

أمر بتحرير الصريح الأمير سيف الدين أرغون شاه العادلي أستدار العالية الذي كان ناظر الجامع الأموي بداية من عام ١٤٠٨ وهو على الأغلب الأمير سيف الدين أرغون شاه النوروزي الأعور (مات عام ١٤٣٧).  لم تخضع المخطوطة لأيّ تعديل منذ تحريرها في العهد المملوكي باستثناء إضافة التوقيع تلو التوقيع بهدف تصديقها من قبل القضاة (على اعتبار أنّ الصكّ يحتفظ بصلاحيته ما دام القاضي الذي صدّقه على قيد الحياة) وبوجود الشهود العدل. خلاصة القول جرى تصديق "الصريح" ١٢ مرّة بين ١٤١٣ و ١٥١٨ و ١٩ مرّة بين هذا التاريخ الأخير وعام ١٨٦٠ ومن المدهش أنّ الكثير من الأراضي المذكورة به كانت لا تزال تدرّ ريعاً للجامع حتّى عام ١٩٠٨ ينفق على الصيانة والإنارة والترميم والمؤذّنين والمقرئين والعلماء والفقهاء والخطباء وهلمّجرّا. بلغ عد الأملاك المذكورة في الكشف ٣٢٠ معظمها في دمشق والغوطة وبعضها في حوران والبقاع والقلمون أو ما يمكن تسميته "أعمال دمشق".  

نسخة ١٥١٨ كانت على الأغلب مخصّصة كمرجع لاستعمال الجامع كونها لا تحتوي على توقيع القاضي وقتها ولكن التصديقات التالية التي استمرّت حتّى عام ١٨٦٠ أصليّة. الخطّ المستعمل خليط من النسخي والثلث.

للحديث بقيّة. 



No comments:

Post a Comment