Tuesday, March 5, 2019

تمويل الجامع الأموي وتطوّر مؤسّسة الوقف


كلّف بناء الجامع الأموي في عهد الوليد الأوّل ثرواتٍ طائلةً كما يخبرنا الحافظ ابن عساكر (مات ١١٧٦) ومن نقل عنه ومن البدهي أنّ هذا كان مجرّد نقطة علّام في عمر دار العبادة الأوّل في دمشق الذي تجاوز ١٣٠٠ سنة (إذا اقتصرنا على العصور الإسلاميّة) ونحو ثلاثة آلاف سنة (إذا أخذنا الأزمنة السابقة للإسلام بداية بالآرامييّن ونهاية بالبيزنطييّن بعين الاعتبار). تعرّض الجامع كما يعرف الدمشقيّون إلى العديد من الكوارث التي تطلّبت إعادة بنائه -أحياناً من شبه الصفر- كان آخرها حريق ١٨٩٣ الذي تركه قاعاً صفصفاً ولا جدال أنّ المحافظة على الجامع برونقه وسدّ احتياجات القائمين عليه يحتاج إلى مقدار هائل من المال حتّى مع افتراض غياب الزلازل والحرائق والفيضانات والنوائب طبيعيّة كانت أو من صنع البشر. من أين أتت هذه الأموال؟

ظهرت أوّل إشارة لمصطلح الوقف في النصوص الفقهيّة التي تعود للقرن التاسع الميلادي أمّا عن تمويل جامع بني أميّة فكان بيت المال مصدره الرئيس حتّى القرن الحادي عشر ويأتي هذا المال من ضرائب الخراج والجزية على الذميّين وينفق كما يلي:

- سدّ الثغور (الدفاع).
- بناء الجوامع والحصون.
- بناء القناطر والجسور.
- دفع رواتب العمّال والقضاة والعلماء والعسكر.  

الوقف إذاً تطوّر فيما بعد وكان معروفاً عندما كتب ابن عساكر تاريخه الشهير لمدينة دمشق الذي حدّد لنا به المساجد ذات الوقف ومنه نستنتج وجود مساجد لا تتمتّع بالأوقاف وتستند في تمويلها على مصادر ثانية وثالثة. 

يخبنا أبو شامة صاحب كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النوريّة والصلاحيّة (مات عام ١٢٦٨) عن جهود نور الدين زنكي (مات ١١٧٤) لحمع المال بغية ترميم أسوار دمشق ومجابهة الصليبييّن عندما ارتأى الفقهاء بعدم جواز استخدام الأموال الموقوفة في هذا الصدد وإن جاز استعمال ما يسمّى بمصالح المسلمين الغير مشمولة بالأوقاف. يتابع أبو شامة فيسمّي هذه "المصالح" فمنها ما اعتره ميراثاً من بني أميّة ومنها اشتري من قبل الأوقاف ومنها أوقافاً مجهولة المالك ومنها أبنية على الطرقات والساحات العامّة. 

نفهم عندما نتكلّم عن الوقف في العهد العثماني وجود صكّ "وقفيّة" كتبت وسجّلت لدى قاضٍ تسمّي الواقف (مؤسّس الوقف) والموقوف (الأملاك المرصودة والمجمّدة لمصلحة الوقف) والأشخاص (في حالة الأوقاف الذريّة) أو المؤسّسات المستفيدة أو الموقوف إليه وشروط توزيع الريع ومدير الوقف أي الناظر أو المتولّي

لا ريب أنّ إدارة مؤسّسة بحجم وأهميّة الجامع الأموي عمليّة معقّدة تتطلّب مؤهّلات خاصّة وأنّ مشرفاً أو مشرفين على الجامع تولّوا إدارته بناءً وأثاثاً وأفراداً منذ البدايات ونجد في بداية العهد الفاطمي ( الذي دام من ٩٦٩ إلى ١٠٧٦) ذكراً "للمتولّي لإمارة الجامع من قبل القضاة". مع دخول السلاجقة إلى سوريا ودمشق في أواخر القرن الحادي عشر حلّ المذهب السنّي محلّ الشيعي-الاسماعيلي وحبّذ الحكّام الجدد المذهب الفقهي الشافعي وصعد بالتالي نجم كبير القضاة الشافعي واستمرّ في العهود اللاحقة الأتابكيّة والأيّوبيّة إذ آلت إلى هذا القاضي مهمّة تعيين ناظر وقف الأموي وشغل أعيان وعلماء دمشق منصب الناظر هذا حتّى عام ١٣٦٦ وكان أكثرهم من الشافعيّة يليهم الحنفيّون فالمالكيّون.

أصبح ناظر الأموي في العصر المملوكي أكثر من مجرّد مفوّض من القاضي الشافعي وانتقلت نظارة الجامع في ستّينات القرن الرابع عشر من علماء دمشق إلى نوّاب السلطنة من مماليك الأتراك الذين اعتمدوا باانتيجة على "نائب الناظر" وكان أوّل ناظر خصي للجامع -حسب المعلومات في حوزتنا- سنبل الطواشي الذي عيّنه السلطان عام ١٤٢٤. 

الخلاصة للجامع الأموي أوقاف منذ عهد نور الدين على الأقلّ ومع الأسف لم يعطنا أبو شامة أي تفاصيل عنها وإن وجدنا كثيراً من الأملاك التي وصفها بالمصالح مدرجة لاحقاً في وقف ١٤١٣.

للحديث بقيّة. 



http://bornindamascus.blogspot.com/2019/03/blog-post.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2019/03/blog-post_3.html

http://bornindamascus.blogspot.com/2019/03/blog-post_4.html

No comments:

Post a Comment