امتدّ نفوذ دمشق الاقتصادي في العهد المملوكي كما رأينا إلى بعلبك والبقاع والقلمون (جيّة عسّال) وحوران. بالنسبة لواحة دمشق يمكن تقسيم الأوقاف إلى الموجودة منها داخل سور المدينة من جهة، وظاهر (أي خارج) هذا السور من جهة ثانية. من الأملاك ما هو مسقّف (العمائر) ومنها ما هو خراجي (بساتين وأراضي) ومنها العامر ومنها الخراب. الغالبيّة العظمى من أوقاف المدينة مؤسّسات تجاريّة مرصودة للجامع جزئيّاً أو كليّاً كالحوانيت والقيساريّات والفنادق (الخانات) أسواق "الدهشة" والحمّامات والطواحين (قرب أبواب المدينة على بردى وفروعه) وغيرها.
اقترح الأساتذة المحقّقين لكتاب "الصحيح الجامع في صريح الجامع" Astrid Meier و Élodie Vigouroux و Mathieu Eychenne وصفاً طبوغرافيّاً للمدينة داخل السور حسب مواضع تواجد أوقافه. تمّ اعتماد الجامع الأموي وأبواب المدينة والشارع المستقيم وسوق الأحد (المحور الواصل بين باب جيرون ورحبة خالد أو agora) كنقاط علّام وكما نرى من الخارطة الملحقة تتواجد الغالبيّة العظمى من هذه الأوقاف ضمن المناطق المظلّلة التي جرى فرزها -بهدف التبسيط- إلى تسعة كما يلي:
المنطقة الأولى
تقع مباشرة إلى جنوب الجامع الأموي وتواجد بها قديماً قصر معاوية الخضراء.
المنطقة الثانية
جنوب الأولى مباشرة بينها وبين الشارع المستقيم وتتمركز الأملاك فيها حول وبين سوق البزورييّن (سوق القمح قديماً والبزوريّة حاليّاً) شرقاً وسوق الخوّاصين (الخيّاطين حاليّاً) غرباً.
المنطقة الثالثة
تمتدّ من باب الجابية غرباً إلى النهاية الجنوبيّة لسوق الخوّاصين-الخيّاطين شرقاً وتتمركز حول القسم الغربي للشارع المستقيم المعروف وقتها بالفسقار.
المنطقة الرابعة
امتداد للثالثة باتّجاه الشرق من النهاية الجنوبيّة لسوق الخوّاصين إلى قبّة الشحم (مئذنة الشحم اليوم) وتتمركز حول الشارع المستقيم الذي يدعى في هذه المنطقة سوق علي.
المنطقة الخامسة
من قبّة الشحم إلى الباب الشرقي ويدعى الشارع المستقيم هنا السوق الكبير.
المنطقة السادسة
شمال شرق المدينة. تتمركز حول رحبة خالد ابن أسيد (agora في العصور الكلاسيكيّة) حيث تتواجد اليوم ساحة الدوامنة.
المنطقة السابعة
جيرون أي المنطقة بين باب جامع بني أميّة الشرقي وبين آثار البوّابة الخارجيّة الشرقيّة لمعبد جوبيتر الروماني.
المنطقة الثامنة
غرب الجامع الأموي وباب البريد.
المنطقة التاسعة والأخيرة
حول وخارج سور دمشق إلى الشمال الغربي وتشمل باب الفرج وباب الفراديس ومحيطهما.
من الواضح وجدود مساحات لا بأس بها من المدينة لا يشملها هذا التوزيع وعلى ما يبدوا لم يكن فيها أوقاف تابعة للجامع تستحقّ الذكر أو حتّى لم يكن فيها أوقاف له على الإطلاق إذا أخذنا دقّة "الصحيح" المتناهية بعين الاعتبار. أهمّ هذه المناطق القلعة وجنوبها والقسم الجنوبي الشرقي للمدينة (حيّ اليهود) ورقعة لا بأس بها من شمال المدينة الشرقي (حيّ المسيحييّن). هذه الأحياء الخارجة عن الوقف سكنيّة وليست تجاريّة ويضاف إليها المنطقة الواقعة شمال الأموي التي شغلتها المدارس الدينيّة ودور الأثرياء.
سأتعرّض في الأيّام المقبلة لكلّ من هذه المناطق على حدة مع الخرائط التفصيليّة.
No comments:
Post a Comment