Tuesday, January 14, 2020

طبوغرافيا دمشق


خطّ ابن عساكر (١١٠٦-١٠٧٦ للميلاد) أقدم كتاب طبوغرافي وصلنا عن دمشق وبناءً على سرده الدقيق صمّم Nikita Elisséeff  (١٩١٥-١٩٩٧) خارطة للمدينة كما كانت في القرن الثاني عشر. ألّف ابن عساكر بالدرجة الأولى تراجم ومع ذلك كان رائداً في "الخطط" أي الطبوغرافيا نقل منه وأضاف إليه فيما بعد ابن شدّاد والنعيمي والعلموي وغيرهم بدرجات متفاوتة من النجاح ولربّما كانت القاهرة أوفر حظاً في خطط المقريزي (١٣٦٤-١٤٤٢). 

مع حاول القرن العشرين أصبح لدى الباحثين كمّ لا بأس يه من المعلومات المأخوذة من المخطوطات التاريخيّة المتناثرة بين الشرق والغرب أضيف إليها دراسات معاصرة قام بها أخصّائيّون على أرض الواقع بداية بالرحّالة المستشرقين مروراً بعلماء الغرب ووصولاً إلى الخبرات المحليّة النامية.  

لدينا ثلاث كتب لسورييّن من القرن العشرين عن طبوغرافيا دمشق ألا وهي:

خطط الشام صدر في منتصف العشرينات بقلم محمّد كرد علي مؤسّس مجمع اللغة العربيّة أو الأكاديميّة العربيّة. العمل في غاية الطموح ولكنّه ليس أكثر ما نشر دقّةً وانتقده أكثر من مصدر لاحقاً ومنهم عبد العزيز العظمة صاحب مرآة الشام (طبع للمرّة الأولى عام ١٩٨٧ بعد عشرات السنوات من وفاة مؤلّفه).  

خطط دمشق للدكتور صلاح الدين المنجّد صدر عام  ١٩٤٩ عن المطبعة الكاثوليكيّة في بيروت وهو عمل مهنيّ موثّق مع ثبت غنيّ للمراجع العربيّة والأجنبيّة. غطّى المنجّد أنهار دمشق (من أفضل فصول الكتاب) وأنيتها الأثريّة المسجّلة وعدداً لا بأس به من تربها وجوامعها وحمّاماتها ومدارسها ولكنّه إجمالاً لا يتعرّض للأوابد المملوكيّة ولا العثمانيّة.

خطط دمشق للعالم المدقّق أكرم حسن العلبي. صدر عام ١٩٨٩ أي بعد أربعين عاماً من خطط المنجّد وهو أغنى من هذا الأخير بالتفاصيل والصور ويغطّي فترة زمنيّة أطول تشمل ليس فقط العمائر المملوكيّة والعثمانيّة وإنّما أيضاً الكثير من مشيّدات عهد الاستقلال. العلبي يقتصر على الأوابد الدينيّة لدمشق العثمانيّة ولا يتعرّض للترب (ما لم تكن ملحقة بمدارس أو دور عبادة) ولا للقصور والأبواب والدور. العلبي قليل الثقة بخطط كرد علي و"الأعلاق الخطيرة" لابن شدّاد وعبد الباسط العلموي (مؤلّف مختصر تنبيه الطالب) ولا يستشهد بهؤلاء إلّا ليبيّن أين جانبهم الصواب أو اللهمّ إلّا إذا كانوا المصدر الوحيد لمعلومة ما. يشدّد العلبي أنّ كتابه تاريخي وطبوغرافي أوّلاً وأخيراً وبالتالي فهو -على عكس الأعمال الرائدة للفرنسي Sauvaget أو الألمانييّن Wulzinger و Watzinger لا يتعرّض للنواحي الهندسيّة العماريّة إلّا فيما ندر وضمن أضيق الحدود. أخيراً العمل دراسة لدمشق الإسلاميّة حصراً ويتبع منهج النعيمي (صاحب الدارس في تاريخ المدارس). 

إذاً تغطية كرد علي هي الأوسع (ستّة مجلّدات من التاريخ والسياسة والاقتصاد والزراعة والدين والطبوغرافيا وهلمّجرّا) والأقلّ دقّة بينما المنجّد يقتصر على الجغرافيا والطبوغرافيا ويغطّي آثاراً متعدّدة ولكنّه يتوقّف مع بعض الاستثناءات في العهد الأيّوبي أمّا العلبي فهو يغطّي تاريخ دمشق منذ الفتح الإسلامي (مع التحفّظ أنّ ما تبقّى من الأوابد السابقة للعهد الأتابكي يكاد لا يذكر باستثناء حامع بني أميّة) وحتّى النصف الثاني للقرن العشرين وهو الأغنى بالتفاصيل وإن ضرب صفحاً عن العديد من فئات العمائر.   

الصورة أعلاه لسور دمشق الحنوبي قبيل باب كيسان عن المنجّد. 



أكرم حسن العلبي. خطط دمشق




No comments:

Post a Comment