من المفيد قبل مواصلة رحلتنا النهريّة من دمشق على بردى صوب مصبّه في "بحيرة" العتيبة بمعيّة الرائد والرحّالة الاسكتلندي John MacGregor أن نتذكّر الحقائق التالية:
أوّلاً:
العتيبة ليس بحيرة بالمعنى المفهوم بل سبخة يتفاوت منسوبها وحتّى وجودها بتفاوت الموسم وكميّة الأمطار التي تغذّيها. زارها المستشرق الإيرلندي Porter في تشرين الثاني عام ١٨٥٢ ووصفها "بمساحة واسعة من المياه الصافية في وسط مستنقع" وتختلف خريطة نفس المؤلّف (صاحب كتاب خمس سنوات في دمشق طبعة أولى ١٩٥٥) في دليل Murray ١٨٥٨ فيما يتعلّق بامتداد نفس البحيرة.
ثانياً:
العتيبة بحيرتان إحداهما شرقيّة وثانية قبليّة كما في كثير من المصادر التاريخيّة وعلى سبيل المثال Dussaud عام ١٩٢٧.
ثالثاً:
تغيّر ريف دمشق إلى حدّ كبير منذ أن درسته قبل نصف القرن ناهيك عن وصف MacGregor قبل مائة وخمسين عاماً.
بالنظر إلى الخريطة الملحقة يتبيّن أنّ بردى-أبانة يتفرّع قبل قيسا بقليل إلى ثلاثة أذرع الشمالي منها A يضيع في سبخة طينيّة ليعود فيظهر قبيل مصبّه جنوب غرب البحيرة الشرقيّة. الذراع الجنوبي C يتّجه إلى حرّان العواميد أمّا عن الذراع الأوسط B فيسير نحو قرية حوش حمار قبل أن يصبّ في شمال شرق البحيرة القبليّة وشكّل هذا الذراع الأخير خطّ سير بطلنا الذي اعتمد على معلوماته ومحاكمته وخبرته وبوصلته أكثر من اعتماده على دليله المحلّي الذي لا يحسن -حسب المؤلّف- إلّا قيادة القطعان في هذه الربوع.
الخطوة التالية كانت عبور زورق Rob Roy مصبّ بردى للدخول في البحيرة القبليّة بين النباتات في نقطة بلغ عمق المجرى فيها أربعة أقدام (١٢٠ عشير المتر) وعرضه عشرون قدماً (ستّة أمتار). زادت قوّة التيّار باتّجاه الجنوب الشرقي بينما حاول الملّاح اقتناص بعض البطّ البرّي وتبيّن له صعوبة الاحتفاظ بصيده ما لم يسقط الطائر المنكود قرب زورقه. بالنتيجة ضعف التيّار إلى أن توقّف ممّا حمل MacGregor على النزول من مركبه ليخوض في الماء والوحل ويجرّها بيديه حتّى النقطة P على الخارطة وكان عليه توخّي الحذر لوجود العديد من الحفر العميقة التي يخفيها الماء عن عيون الناظرين.
عاد الربّان وزورقه سالمين إلى فم أبانة (أي مصبّ بردى على العتيبة) استعداداً لرحلة الغد إلى قرية العتيبة (٢٥ كانون أوّل ١٨٦٨). بالنسبة للبحيرة الشرقيّة ينقل المؤلّف عن Porter أنّ طولها حوالي ثمانية أميال (١٣ كيلومتراً على وجه التقريب) وعرضها أربعة أميال ونصف الميل (ستّة كيلومترات ونصف) وأنّها تتلقّى بعض مياهها من نهر يزيد. مرّ MacGregor على المناطق شرق العتيبة مرور الكرام فهدفه من الرحلة بالدرجة الأولى مجاري النهيرات والأسطح المائيّة وبناءً عليه اتّجه مع قافلته الصغيرة جنوباً على طريق يمرّ بمحاذاة الكفرين (مثنّى كفر: قرية صغيرة) وجديدة (جديدة الخاصّ) باتّجاه الهيجانة.
No comments:
Post a Comment