Saturday, January 4, 2020

إلى دمشق على أمواج بردى


ساد نشاط استثنائيّ أجواء دمّر تشوّقاً لمشهد جديد وفريد من نوعه عندما عقد الرحّالة الاسكتلندي جون مكريجور عزمه على تنزيل مركبه الصغير في هذا المكان ليمخر اليمّ متّجهاً إلى دمشق بيد أنّ أمل الفضولييّن المتجمهرين خاب إذ غيّر ربّان ال Rob Roy خططه في اللحظة الأخيرة عندما رأى شجرة سقطت على عرض أحد المنحدرات النهريّة. 

اتّخذ MacGregor بناءً عليه فرع تورا إلى الشمال مقدّراً عرضه بإثني عشر قدماً (أكثر بقليل من ثلاثة أمتار ونصف) وبالتالي فهو كافٍ ليسمح بمرور الشختورة. ولكنّه اضطّر يعد مسافة قصيرة للعودة إلى بردى -عن طريق اليابسة- والسبب مرور تورا في نفق مظلم في جرف صخريّ. 

لم يبق على المستشرق المغامر إلّا توجيه زورقه عبر التيّار في وادي بردى بين الصخور والنباتات والطيور المجفلة والحيوانات. قدّر بطلنا عرض النهر في هذا المكان بستّين قدماً (ثمانية عشر متراً) ولكن تعرّجات النهر وتفاوت عمق الماء وسرعة التيّار أقامت العقبات في وجه السفينة الضئيلة وأجبرت MacGregor على القفز إلى الماء عشرين مرّة على الأقلّ وأحياناً إلى سحب زورقه على الأرض عندما سدّت الأشجار المجرى المائي. لتقدير الجهد المطلوب في رحلة من هذا النوع يخبرنا الكاتب أنّ الزورق يحتاج إلى خمس ساعات ليقطع المسافة الني يعبرها المترجّل في ساعة! هذا يعني بكل بساطة أنّه لا يوجد توفير من أي نوع في ملاحة نهر صغير كبردى لا من ناحية الوقت ولا من جهة النفقة فليس نهر دمشق بالنيل ولا بالفرات بيد أنّ هدف الرحلة العلم والاستكشاف وليس المنفعة الماديّة. 

تتجلّى دمشق الخالدة في الأفق للرحّالة بمجرّد عبور خانق الربوة ويصبح النهر بعد هذه النقطة ساكناً ووديعاً وكأنّ الكلال قد أصابه بعد مساره الطويل الهائج. ينزلق الزورق الآن على بردى تحت نظر الأتراك (المقصود الدمشقييّن) المشدوهين واستنتج المؤلّف بالتالي أنّه حتّى المسلمين -رغم تبلّدهم- لا يملكون إلّا التحديق إعجاباً بالقارب العابر لنهرهم. 

يتابع Rob Roy مسيرته إلى المدينة تحت الجسور وحول القناطر التي تقطر بالماء ويتجاوز الثكنات ليقارب قصر الباشا (لا شكّ أنّ المقصود قصر كنج يوسف باشا في ساحة المرجة مكان بناء العابد حاليّاً) وفي النهاية يقوم رجلان بحمله إلى فندق دميتري وسط الطين والمسلمين المنبهرين وانحناءات مستخدميّ النزل.

توالت الزيارات للترحيب بالدخول الظافر للملّاح الاسكتلندي ومنهم باشا دمشق (الاسم غير مذكور ولكن لا بدّ من كونه محمّد رشيد باشا الذي تولّى ١٨٦٦-١٨٧١) والقنصل البريطاني (أيضاً الاسم غير مذكور ولكنّه قطعاً Richard Francis Burton زوج الليدي Isabel Burton صاحبة الكتاب الشهير "حياة سوريا الداخليّة") وأطنبت الصحف العربيّة (؟!) في صفحاتها الأولى في وصف وصول الزورق.

أقام القنصل البريطاني صلاة في يوم الأحد الحادي والعشرين من كانون أوّل ١٨٦٨ حضرته السيّدة Elizabeth Bowen Thompson التي أتت من بيروت لتفتتح مدرسة تبشيريّة للبنات في دمشق ضمّت أربعاً وأربعين من اليهوديّات والإغريقيّات (أي الأرثوذوكسيّات) والمسلمات والمسيحيّات. 

ما كان للسيّد MacGregor أن يترك دمشق دون مقابلة الليدي Jane Digby التي كانت وقتها قرينة أحد شيوخ القبائل السوريّة الذي يأمر -حسب الكاتب- على قرابة ألف رمّاح والذي يتعيّن على المسافر إلى تدمر أن يدفع له أتاوة باهظة من الذهب. قدّر لهذه الأرستقراطيّة الإنجليزيّة أن تموت وتدفن في دمشق. 

للحديث بقيّة.    





2 comments:

  1. very nice to read about Damascus city,my home land.Do you have a page on Facebook?

    ReplyDelete
    Replies
    1. I do. Hayssam Kadah and thanks for your interest.

      Delete