غادر الرحّالة الاسكتلندي جون مكجريجور مدينة دمشق على متن زورقه في الحادي والعشرين من كانون أوّل علم ١٨٦٨ متّجها نحو بحيرة العتيبة معتقداً -لربّما عن صواب- أنّ أحداً لم سبقه إلى ملاحة هذا القسم من نهر أبانا (بردى). أصبح الماء الآن ذو حمرة قانية وزادت الأمطار إلى عمقه قدمين (٦١ عشير المتر). يصف صاحبنا السلاحف النائمة على الضفاف والسلطعانات الكسلى التي تحاول جهدها أن تختفي عن عيون الناظرين والعديد من البطّات البريّات المتميّزة بالبدانة والبطء.
يتّجه أبانة-بردى من الغرب إلى الشرق بين الأعشاب العالية على طرفيه ولا نرى أشجاراً في هذه المنطقة بل سهولاً واسعة خصبة تحرثها الثيران بينما يتراكض الفلّاحون رجالاً ونساءً وأطفالاً من كلّ حدب وصوب لتأمّل الشختورة في الوقت الذي يحافظ فيه بعض "الأتراك" فوق مطاهم من خيول وبغال على قدر أكبر من المهابة والوقار. يتلوا ذلك وصف لملابس الأهالي ذكوراً وإناثاً ولا يفوت المؤلّف أن ينوّه بحدبه على الأطفال الذي سرّهم وأمّهاتهم أن يربت الزائر الأجنبي بلطف على رؤوسهم وكان هناك على الأقلّ طفل نحاسيّ اللون يتمرّغ في الطين عارباً كما ولدته أمّه طلب صدقة من الزائر -الشحّاذ الوحيد في هذه المنطقة حسب المؤلّف- ولكنّه أعاد الفلس إلى المتصدّق والسبب عدم وجود جيب أو جيوب يحتفظ فيها بالنقود. ملاحظات فوقيّة وعنصريّة من هذا النوع كانت شائعة في أدبيّات القرن التاسع عشر وحتّى النصف الأوّل من القرن العشرين في زمن لا يعرف اللباقة السياسيّة.
نام الرحّالة في جسرين في ليلة الثاني والعشرين من كانون ثاني ليتابع ملاحته مع قاربه Rob Roy في اليوم التالي مارّاً إلى جوار تلّ الصالحيّة حيث أجرى صندوق اكتشاف فلسطين Palestine Exploration Fund حفريّات عام ١٨٦٦ في هذا الموقع الأثري العائد للألف الثالث قبل الميلاد. وصف MacGregor التلّ كمرتفع أخضر كبير مائل للاستدارة مضيفاً أنّ التلال الاصطناعيّة من هذا النوع شائعة في فلسطين خصوصاً وإن ندر أن يثمر التنقيب فيها عن اكتشافات تستحقّ الذكر . المحطّة الثالثة كانت قيسا في الثالث والعشرين من كانون الأوّل تلتها حرّان العواميد التي تستمدّ اسمها من أعمدة ثلاث من البازلت يبلغ ارتفاعها أربعين قدماً (إثني عشر متراً) وهي بقايا من معبد إيوني يعود للقرن الثالث الميلادي ولربّما إلى عهد الإمبراطور الروماني فيليب العربي.
يستحقّ وصف العتيبة ومحيطها منشوراً مستقلّاً.
No comments:
Post a Comment