أنر كان الحاكم الفعلي لدمشق في نهاية العهد الأتابكي أو العهد البوري إذا شئنا وحاول جهده المحافظة على استقلالها بين سندان عماد الدين زنكي أتابك الموصل وحلب ومطرقة الصليبييّن ولم يتردّد عند الضرورة في التحالف مع أحدهما ضدّ الآخر وبالعكس. زوّج بالنتيجة ابنته عصمة الدين (صاحبة المدرسة الخاتونيّة) إلى نور الدين وكانت زيجة ديبلوماسيّة سهّلت الانتقال من عهد إلى عهد كما حصل لاحقاً عندما تزوّجت نفس السيّدة صلاح الدين بعد ترمّلها من نور الدين.
اكتشف الدكتور صلاح الدين المنجّد التربة مصادفة جنوب المدرسة الشاميّة البرّانيّة في آب ١٩٤٦ عندما لفت نظره وجود طاحون قديمة أمامها باب ضخم عضادتاه رومانيّتان دخل منه إلى صحن دار أو مدرسة قديمة تحيط بها غرف صغار فوجد في جنوبها قبّة آجريّة قديمة فقدت طاستها وسدّت نوافذها الثمانية وبابها الذي وجد على عتبته كتابة بخطّ نسخي نصّها الآتي:
بسم الله الرجمن الرحيم. يا أيّها الناس إنّ وعد الله حقّ فلا تغرّنكم الحياة الدنيا ولا يغرّنكم بالله الغرور. عملت هذه القبّة على قبر الأمير الإسفهسلار الكبير أتابك معين الدين الفقير إلى رحمة الله الشهيد السعيد أنر رحمه الله. توفّي يوم الأحد سابع عشر ربيع الأوّل سنة أربع وأربعين وخمسماية (الخامس والعشرين من تمّوز ١١٤٩ للميلاد ويختلف هذا التاريخ قليلاً عن المذكور في ابن القلانسي)...
من المعروف أنّ معين الدين أنر أنشأ المدرسة المعينيّة في حصن الثقفييّن (غرب الجامع الكبير بينما حصن جيرون يقع شرقه) وهي حنفيّة ومن أقدم مدارس دمشق وكان على بابها النقش التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم. أنشأ هذه المدرسة المباركة الأمير الكبير الإسفهسلار معين الدين أنر ابن عبد الله عتيق الملك المجاهد المرابط الغازي طغتكين من خيرات سيّده المرحوم وذلك في سنة أربع وعشرين وخمسماية (١١٢٩-١١٣٠ للميلاد).
ورد في أبي شامة (صاحب كتاب الروضتين) أنّ قبر أنر واقع في قبّة بمقابر العوينة (سوق ساروجا حاليّاً) شمال دار البطّيخ (المقصود دار البطّيخ الجديدة بينما كانت القديمة على الشارع المستقيم داخل سور المدينة) وأضاف الذهبي (١٢٧٤-١٣٤٨ م) أنّ القبّة موجودة بين دار البطّيخ والمدرسة الشاميّة.
لاحقاً اتّخذت التربة داراً فسدّ بابها الشمالي وجعل لها باب من الشرق يطلّ على الزقاق.
يستخلص المنجّد ما يلي:
أوّلاً: النقش الكتابي يحدّد تاريخ وفاة أنر (رفض العلبي هذا التاريخ استناداً إلى ابن القلانسي).
ثانياً: تحدّد أنقاض التربة مع النصوص التاريخيّة موقع دار البطّيخ الثانية.
ثالثاً: شيّدت التربة بعد وفاة أنر ونقل رفاته إليها من إيوان دار الأتابكيّة التي كان يقطنها (أبو شامة نقلاً عن ابن القلانسي).
زار المنجّد التربة للمرّة الثانية في تشرين ثاني ١٩٤٦ بصحبة مدير الآثار السوريّة وقتها العالم الأمريكي Frank Edward Brown والصور المرفقة (الأولى لقبّة التربة والثانية لبابها المسدود) بعدسة هذا الأخير.
ختم المنجّد سرده بالأمل بأن "تعنى دائرة الآثار بهذه التربة فتسجّلها وترمّمها وتحول دون إخفاء معالمها وتخريبها" ومع الأسف هذا لم يحصل بشهادة العلبي الذي ذكر بعد المنجّد بأربعين عاماً أنّ التربة "لا أثر لها اليوم".
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق
No comments:
Post a Comment