Saturday, January 11, 2020

جزيرة الهيجانة


رأينا البارحة كيف قام الملّاح الاسكتلندي John MacGregor قبل مائة وخمسين عاماً باستطلاع بحيرة الهيجانة على متن زورقه Rob Roy ورسم خطوطها العريضة وذكر وجود جزيرة متناهية في الصغر في جنوبها الغربي (لا أعلم إذا بقي منها اليوم شيء يذكر) زارها وتفحّصها بإمعان. الأسطر التالية تعريب عن الأصل الإنجليزي لوصفه لهذه الزيارة:

وجّهت دفّة زورقي بعناية إلى البقعة المرغوبة وأدركت فوراً مدى قربي منها بفضل آثار الخنازير البريّة خلال أعواد القصب إذ أصبحت المياه هنا ضحلة يقلّ عمقها عن قدمين (حوالي ستّين عشير المتر). كان لا بدّ من اتّخاذ الحذر والدوران حول الجزيرة أوّلاً مع التأهّب على الدوام للقفز في مياه أعمق إذا تعثّر حظّي وأيقظت أحد هذه الوحوش ذات الأنياب فهاجم زورقي وحطّمه تحطيماً ليتركني على هذه الجزيرة دون حول أو قوّة. تمتدّ الأرض هنا على عدّة أكرات (الأكر أو acre وحدة مساحة تبلغ أربعة أعشار الهكتار) تمزّقها دروب خطى الخنازير المتوحّشة إلى عدد لا يحصى من القطع الصغيرة بينما نرى على امتداد مائتي يارد (مائة وثمانين متراً) الجدران الضخمة لأربعة أبنية كبيرة بارتفاع ثلاثة أو أربعة مداميك. كنت مصمّماً ألّا أترك زورقي إلى اليابسة في مكان خطر كهذا ومع ذلك كنت مقتنعاً بضرورة هذه المغامرة وبالتالي توجّهت في هدوء على آثار أحد دروب الخنازير وخطوت إلى الأرض لأدخل خلسة في الحرز الساكن حاملاً مسدّساً وهراوة. في كلّ الأحوال تبيّن لي أنّني الحيوان الوحيد على هذه الجزيرة اللهمّ إلّا إذا أحسنت بقيّة الحيوانات الاختباء. بتعيّن هنا القول أنّي رأيت في المشرق خنزيرين متوحّشين فقط لا غير على أنّ هذه الرؤيا لم تبعث على الاطمئنان إذ تتمتّع هذه الحيوانات برؤوس ضخمة وأنياب صفراء وينتصب الشعر على ظهرها إلى ارتفاع ثلاثة بوصات (قرابة ثمانية عشير المتر) بالتمام والكمال. قمت بتفقّد الغرفة تلو الغرفة ومسدّسي بيدي فلم أصادف إلّا الصمت. وجدت بعدها صعوبة في العودة إلى زورقي المدفون بين نباتات القصب ولوهلة تملّك القبطان القلق ومن حسن الحظّ عثرت على المركب وطفت وإيّاه على سطح المياه من جديد.

استنتجت من ملاحظاتي هنا ومن تجربتي في صيد الخنازير البريّة في مصر منذ سنوات أنّ هذا الوحش مكره على السباحة عندما يبلغ عمق المياه القدمين وأنّه تحت هذه الظروف ينزع للتقهقر وليس للهجوم. شاهدت العديد من الأحجار الكبيرة والجدران المتداعية ودعامات جسر ترقد في قاع البحيرة بينما كنت أجذّف ييطء حول هذه الجزيرة المتوحّدة ومن الواضح أنّ يد إنسان نحتت هذه البقايا بهدف ما في ماضٍ غير محدّد. توجد قناة مائيّة سالكة في الزاوية الشماليّة للجزيرة تؤدّي إلى الساحل باتّجاه شمال غرب ويبلغ طولها مائتيّ يارد وعرضها عشرين يارد (ثمانية عشر متراً) وعمقها سبعة أقدام (مترين ونيّف). نستنج من ذلك وجود قلعة اختير موقعها بذكاء في الأزمنة الغابرة على هذه الجزيرة ولربّما كان الشعور بالرثاء لحامية معزولة في موقع كهذا مبرّراً. تقود القناة إلى تلّ صغير لا ريب أنّ شكّل دفاعاً متقدّماً (نوع من الباشورة أو barbican) يوماً ما وأنّه كان زاخراً بالحياة التي غادرت أرواح أصحابها أجسادهم إلى عالم آخر. 






No comments:

Post a Comment