تعرّضت بسرعة قبل ثلاثة سنوات إلى الكتابة التأسيسيّة الدارسة للجامع الأموي وأعود اليوم إلى الموضوع بدايةً بذكرها في المصادر التاريخيّة من الأقدم إلى الأحدث:
البلاذري (وفيّات ٨٩٢ للميلاد) في "فتوح البلدان":
"وبمسجد دمشق في الرواق القبلي ممّا يلي المئذنة كتابٌ في رخامةٍ بقرب السقف: "ممّا أمر ببنيانِهِ أمير المؤمنين الوليد سنة ست وثمانين " (الموافق ٧٠٥ للميلاد).
المسعودي (٨٩٦ - ٩٥٦ للميلاد) في "مروج الذهب ومعادن الجوهر":
"فأمر الوليد أن يُكْتَب بالذهب على اللازورد في حائط المسجد: ربنّا الله، لا نعبد إلّا الله، أمر ببناء هذا المسجد، وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبدُ الله الوليدُ أميرُ المؤمنين في ذي الحجّة سنة سبع وثمانين، وهذا الكلام مكتوب بالذهب في مسجد دمشق الى وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة". التاريخ حسب المسعودي إذاً تشرين ثاني نوڤمبر إلى كانون أوّل ديسمبر عام ٧٠٦ للميلاد وبقيت الكتابة موجودةً حتّى زيارته عام ٩٤٣ - ٩٤٤ على أقلّ تقدير.
ابن عساكر (١١٠٥ - ١١٧٦ للميلاد) في "تاريخ مدينة دمشق":
"قال أبو يوسف يعقوب بن سفيان وقرأت في صفائح في قبلة مسجد دمشق صفائح مذهبة بلازورد "بسم الله الرحمن الرحيم الله لا إله إلّا هو الحيّ القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" إلى آخر الآية لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلّا إياه ربّنا الله وحده وديننا الإسلام ونبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وسلّم) أمر ببنيان هذا المسجد وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله الوليد أمير المؤمنين في ذي القعدة من سنة ست وثمانين في ثلاث صفائح وفي الرابعة "الحمد لله ربّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين" إلى آخر السورة ثمّ "النازعات" إلى آخرها ثمّ "عبس" إلى آخرها ثمّ "إذا الشمس كوّرت" قال أبو يوسف وقدمت بعد ذلك فرأيت هذا قد محي وكان هذا قبل المأمون". أسند ابن عساكر روايتَهُ إلى أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (٨١٠ - ٨٩٠ للميلاد) وتاريخ الكتابة هنا تشرين أوّل أكتوبر - تشرين ثاني نوڤمبر عام ٧٠٥ للميلاد.
ابن كثير (١٣٠١ - ١٣٧٣ للميلاد) في "البداية والنهاية":
"وقال بعضهم: كان في قبلة جامع دمشق ثلاث صفائح مذهبّة بلازورد، في كلٍّ منها: بسم الله الرحمن الرحيم الله لا إله إلّا هو الحيّ القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، ربنّا الله وحده، وديننا الإسلام، ونبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم. أمر ببنيان هذا المسجد، وهدم الكنيسة التي كانت فيه، عبد الله أمير المؤمنين الوليد، في ذي القعدة سنة ست وثمانين. وفي صفيحة أخرى رابعة من تلك الصفائح: الحمد لله ربّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين (الفاتحة) إلى آخر السورة، ثم النازعات، ثم عبس، ثم إذا الشمس كوّرت (التكوير) .قالوا: ثمّ محيت بعد مجيء المأمون إلى دمشق...". الفرق الوحيد بين رواية ابن كثير وسرد ابن عساكر هو ما إذا مُحِيَت الكتابة التأسيسيّة قبل أو بعد مجيء المأمون إلى دمشق.
هناك أيضاً رواية ابن شاكر الكتبي (١٢٨٧ - ١٣٦٣ للميلاد) في "عيون التواريخ" التي لا تضيف إلى المعطيات السابقة شيئاً يذكر.
خلاصة الكلام:
- تاريخ الكتابة التأسيسيّة عام ٧٠٥ للميلاد حسب البلاذري وابن عساكر (نقلاً عن الفسوي الذي تُوفّي قبل البلاذري بعامين فقط) وابن كثير. نَقَلَ ابن كثير كلام ابن عساكر كما هو عمليّاً باستثناء تاريخ محي الكتابة التأسيسيّة لدى زيارة المأمون دمشق (زوّر المأمون أيضاً كتابة عبد الملك في قبّة الصخرة في القدس وكان ذلك أيّار مايو إلى حزيران يونيو عام ٨٣١ للميلاد).
- تاريخ الكتابة التأسيسيّة ٧٠٦ للميلاد حسب المسعودي وبقيت موجودةً حتّى زيارته عام ٩٤٣ - ٩٤٤ على الأقلّ. هل هذا يعني أنّ المقصود بكلمة "مُحيَت" أنّ المأمون زوّر كتابة جامع دمشق كما فعل في قبّة الصخرة؟
- موقع الكتابة حسب البلاذري "في الرواق القبلي" وعلى "رخامة قرب السقف" بينما تتّفق بقيّة الروايات على أنّها كانت "بالذهب" أو "على صفائح مذهّبة" على جدار الجامع (القبلي تحديداً)؛ هل يُتَرْجَم التفاوت في الوصف والموقع إلى تواجد كتابتين تأسيسيّتين مختلفتين؟
مزيدٌ عن هذا الموضوع المثير لاحقاً.
Alain George. The Umayyad Mosque of Damascus. Art, Faith and Empire in Early Islam. Gingko, 2021.
Gérard Degeorge. La grande mosquée des Omeyyades à Damas. Actes Sud 2010 (p. 70, 73).
No comments:
Post a Comment