في صحن الأموي اليوم ثلاثُ قبابٍ: الميضأة أو قبّة النوفرة، قبّة الساعات، وقبّة الخزنة. الأخيرة هي الأقدم وصفها المقدسي (٩٤٥ - ٩٩٠ للميلاد) كما يلي:
"وعلى الميمنة في الصحن بيت مال على ثمانية عمد مرصّع حيطانه بالفسافساء".
التسمية إذاً حسب المقدسي بيت المال وهي الأولى. تدعى هذه البنية أيضاً قبّة المال أو قبّة عائشة.
لا ذكر لأصل هذه القبّة في المصادر التاريخيّة قبل القرن الثاني عشر للميلاد أمّا عن بنائها فقد كان بمبادرةٍ من والي دمشق العبّاسي الفضل بن صالح في خلافة المهدي حسب الذهبي (وفيّات ١٣٤٨) وابن كثير (وفيّات ١٣٧٣) وابن تغري بردي (وفيّات ١٤٧٠). بالمقابل أرجع أبو البقاء البدري (وفيّات ١٤٤٢) القبّة قيد الحديث إلى عهد الوليد.
يحسن هنا مراجعة ما كتبه ابن عساكر (وفيّات ١١٧٦) كونه أقدم توثيق لتأريخ القبّة والأغنى بالتفاصيل إلى حينه على الأقلّ (المجلّد الثامن والأربعون من "تاريخ مدينة دمشق" صفحة ٣١٨ - ٣١٩):
"الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله ابن العبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف".
"أدركت الفضل بن صالح الهاشمي وهو والي دمشق وهو الذي عمل الأبواب للمسجد والقبّة التي في الصحن وتعرف بقبّة المال".
الفضل إذاً ابن عمّ السفّاح والمنصور وذكر ابن عساكر عنه في جملة ما ذكر أنّه تولّى دمشق بتاريخ يوافق ٧٦٦ - ٧٧٥ للميلاد ممّا يعني أنّ قبّة الخزنة (أو قبّة المال حسب الحافظ) بنيت في عهد المنصور وليس المهدي.
ختاماً نأتي إلى ما كتبه ابن جبير الأندلسي (زار دمشق عام ١١٨٤ للميلاد):
"وفي الصحن ثلاث قباب: إحداها في الجانب الغربي منه وهي أكبرها، وهي قائمة على ثمانية أعمدة من الرخام، مستطيلة كالبرج، مزخرفة بالفصوص والأصبغة، كأنّها الروضة حسناً، وعليها قبّة رصاص كأنها التنّور العظيم الاستدارة، يقال: إنها كانت مخزناً لمال الجامع، وله مال عظيم من خراجات ومستغلات تنيف على ما ذكر لنا على الثمانية آلاف دينار صوريّة في السنة، وهي خمسة عشر ألف دينار مؤمنيّة أو نحوها. وقبّة أخرى صغيرة في وسط الصحن مجوّفة مثمّنة من رخام قد ألصق أبدع إلصاق، قائمة على أربعة أعمدة صغار من الرخام وتحتها شبّاك حديد مستدير، وفي وسطه أنبوب من الصفر يمج الماء الى علو، فيرتفع وينثني كأنه قضيب لجين، يشره الناس لوضع أفواههم فيه للشرب استظرافاً واستحساناّ، ويسمّونه قفص الماء. والقبّة الثالثة في الجانب الشرقي قائمة على ثمانية أعمدة على هيئة القبّة الكبيرة لكن أصغر منها".
بنصّ ابن جبير صراحةً، وللمرّة الأولى، على وجود ثلاث قباب في صحن الجامع.
الخلاصة:
- يعود أقدم ذكر لقبّة الخزنة إلى القرن العاشر للميلاد والمقدسي.
- تاريخ بناء القبّة مُخْتَلَفُ عليه في المصادر المتوافرة وعلّ ابن عساكر وعهد المنصور الأقرب إلى الصواب.
- مع أواخر القرن الثاني عشر ارتفع عدد "قباب" الصحن إلى ثلاثٍ (ابن جبير).
يترتّب على ما تقدّم أنّ القبّة إسلاميّة بيد أنّ نظرةً عابرةً إلى أعمدتها والساكف الذي ترتكز عليه حجرتها توحي بأصولٍ كلاسيكيّة سابقة للفتح العربي.
للحديث بقيّة.
الصورة من أرشيف السلطان عبد الحميد (ترميم الجامع بعد حريق ١٨٩٣).
Alain George. The Umayyad Mosque of Damascus. Art, Faith and Empire in Early Islam. Gingko, 2021.
No comments:
Post a Comment