تشير الدلائل المتوافرة أنّ هيكل القدس (الحرم الشريف حاليّاً الذي تهيمن عليه قبّة الصخرة ويشمل المسجد الأقصى) كان أكبر معابد العالم القديم قاطبة إذ بلغت مساحته ١٤٠٠٠٠ متر مربّع. احتلّ معبد المشتري في دمشق ١١٧٠٠٠ متر مربّع أي كان أصغر بحوالي ٢٠٪ من معبد القدس ومع ذلك يبقى هائل الأبعاد شأنه في ذلك شأن معبد الشمس في بعلبك.
الصورة أعلاه تعود لثمانينات أو لربّما أواخر سبعينات القرن العشرين والمكان أشهر من نار على علم في دمشق وسوريا. نرى هنا البوّابة propylaeum الغربيّة للمعبد الخارجي peribolos أو بالأحرى ما تبقّى منها ويليها رواق معمّد colonnade يمتدّ باتّجاه باب البريد. لهذه البوّابة مدخل يناظرها من الشرق في حيّ القيمريّة درس معطمه ويتفّق أغلب الخبراء أنّ مدخل المعبد الرئيس كان في الشرق رغم جلال البوّابة الغربيّة الذي أدّى إلى التباس لدى البعض لربّما لأنّها -عكس البوّابة الشرقيّة- لا تزال قائمة أوّلاً ولأنّ مدخل الجامع الأموي الأهمّ يقع في الغرب ثانياً.
كيف ومتى اكتشف المعبد الخارجي وإلى من يرجع الفضل؟
لاحظ الرحّالة الإنجليزي المدقّق Richard Pococke في كتاب "وصف الشرق" الصادر عام ١٧٤٥ وجود عدد لا بأس به من الأعمدة المتناثرة حول الجامع الأموي (لم يسمح لغير المسلمين بزيارته حتّى عام ١٨٦٠) وترك لنا أوّل خارطة -وإن امتزج فيها الخيال مع الواقع- لمحيط الجامع قبل الإسلام كما تصوّره (الرابط أدناه). اختفى الكثير من هذه المعالم منذ ذلك الحين وكانت استنتاجات العالم المذكور بالضرورة محدودة بمحدوديّة المتاح إليه وقتها.
أوّل مخطّط علمي للجامع ومحيطه أتى بعد قرن من الزمن بمبادرة المبشّر الإيرلندي Josias Leslie Porter في كتاب "خمس سنوات في دمشق" الصادر عام ١٨٥٥. قام Porter بوصف لبقايا الأروقة المعمّدة وصفاً دقيقاً بما فيها الواقع جنوب باب الزيادة الذي كانت آثاره لا تزال موجودة في منتصف القرن التاسع عشر واندثرت مع نهايته.
نقفز الآن إلى مطلع القرن العشرين وما كتبه المحترم James Edward Hanauer عام ١٩١١ في النشرة الدوريّة "صندوق اكتشاف فلسطين" إذ لاحظ وجود بقايا أعمدة متوزّعة على مسافات منتظمة شكّلت رواقاً يقود من البوّابة الشرقيّة للأموي (باب جيرون) إلى البوّابة الخارجيّة proplyaeum الشرقيّة للمعبد عبر شارع القيمريّة.
أوكلت الإدارة العثمانيّة عام ١٩١٥ الألمانييّن Wulzinger و Watzinger مهمّة سبر وتوثيق دمشق القديمة والإسلاميّة وإليهما يعود الفضل في تصميم أوّل خريطة متكاملة لمعبد المشتري في دمشق بقسميه الخارجي peribolos والداخلي temenos الذي يوافق الجامع الأموي حاليّاً من ناحية الموقع والمساحة. أتت المزيد من الدراسات في فترة الانتداب الفرنسي من قبل Sauvaget و Dussaud و Creswell وغيرهم لتصحّح وتعدّل وتغني دراسات الروّاد وبجهودهم المشكورة نستطيع اليوم تسليط الأضواء على معبد دمشق الروماني وفترة مجيدة في تاريخ المدينة.
طلال العقيلي. الجامع الأموي في دمشق. دار كتب للنشر الطبعة الثانية ٢٠١٥.
Dorothée Sack. Damaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.
Richard Pococke. A Description of the East.
James Edward Hanauer. Discovery of Roman Remains Near the Great Mosque at Damascus, Palestine Exploration Fund Quarterly Statement 43.1 (Jan. 1911): 42-51.
Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die antike Stadt. Berlin: Walter de Gruyter, 1921.
Ross Burns. Damascus: A History.
No comments:
Post a Comment