Saturday, May 4, 2019

دمشق في ثمانينات القرن العشرين


تكفي نظرة سريعة إلى هذه الصورة الملتقطة من قاسيون في ثمانينات القرن الماضي لتقدير حجم الدمار الذي لحق بالغوطة التي غزتها الأبنية من كلّ حدب وصوب. تزايد عدد سكّان دمشق حوالي ستّة أضعاف من ٣٠٠٠٠٠ عام ١٩٤٥ إلى ١٧٠٠٠٠٠ عام ١٩٨٨ حسب العالم الفرنسي Gérard Degeorge ولكن هناك إشكاليّة في هذه التقديرات الديموغراقيّة التي تختلط فيها عوامل متعدّدة منها الزيادة الطبيعيّة لسكّان المدينة والهجرة من الريف إلى المدينة والتوسّع من المركز إلى المحيط (عندما ابتلعت دمشق ضواحي أو بالأحرى قرى المزّة وبرزة والقدم على سبيل المثال) والتوسّع من المحيط إلى المركز (مثلاً تحوّل داريّا ودوما إلى مدن بكلّ معنى الكلمة نتيجة لتكاثر سكّانها ومن أمّها من أهل دمشق بحثاً عن شقّة بسعر معقول ناهيك عن مشروع دمّر). بعبارة ثانية لا يكفي القول أنّ عدد سكّان دمشق تضاعف بل يجب التنويه إضافة إلى ذلك أنّ دمشق الأربعينات (١٩٠٠ هكتار منها ١٣٥ داخل السور) أصغر رقعة بكثير من دمشق الثمانينات (٨٥٠٠ هكتار) كتقسيم إداري أمّا عن مساحة الغوطة فقد تقلّصت خلال نفس الفترة من ٢٣٠٠٠ هكتار إلى أقلّ من ١٠٠٠٠ هكتار.

إشارات الكارثة بدأت في عهد الانتداب الفرنسي وإن لم يعها إلّا أقلّ القليل قي ذلك الوقت مع توسّع العمران على حساب بعض أفضل المناطق الزراعيّة في الضواحي الشماليّة. قامت السلطات وقتها بهدم جدران البساتين الطينيّة لأسباب أمنيّة (يمكن المقارنة هنا مع ما جرى في مطلع الثمانينات بشقّ الطرق المحلّقة وغيرها من المنجزات المزدوجة الهدف والاستعمال)  وكان شقّ شارع بغداد  الجميل والحديث في إطار برنامج يهدف -في جملة ما يهدف إليه- إلى تسهيل مرور الآليّات العسكريّة. مع مرور السنوات ازداد اللجوء إلى استعمال المضخّات على حساب المياه الجوفيّة وتكاثرت المؤسّسات الصناعيّة التي تصبّ نفاياتها في الغوطة ناهيك عن التصريف على نهر بردى وفروعه دون أي محاولة تستحقّ الذكر لمعالجة المياه الملوّثة. زيادة الطلب على مياه بردى والأعوج أدّت إلى الجفاف التدريجي لبحيرات العتيبة والهيجانة بداية من عام ١٩٥٤.

هكذا بدت الصورة مع نهاية عقد الثمانينات رغم كلّ التحذيرات والنوايا الحسنة وجميعنا نعرف ما آلت إليه الأمور مع حلول القرن الواحد والعشرين. عسى أن تستطيع الأجيال المقبلة إصلاح بعض ما أفسدنا.   



Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Gérard Degeorge. Damas des Ottoman a nos jours. Éditions L'Harmattan Paris 1994.

Anne-Marie Bianquis. Damas, Miroir brisé d'un Orient arabe. Autrement, Paris, 1993.

Richard Thoumin. Géographie humaine de la Syrie centrale. Tours, Arrault, 1936. 

No comments:

Post a Comment