لا خلاف على وجود كنيسة مسيحيّة بنيت في العهد البيزنطي في معبد دمشق الروماني الداخلي أو ما يسمّى باللغة الإغريقيّة القديمة temenos وإن استمرّ الجدل على التسمية والموقع.
يعتقد أنّ الكنيسة تعود لعهد الإمبراطور Theodosius والعقد الأخير من القرن الرابع للميلاد ولربّما كان الدليل الأهمّ -إن لم نقل الوحيد- المتبقّي على وجودها نقش كتابي بالإغريقيّة على بوّابة المعبد (سور الأموي الجنوبي) مقتبس عن المزمور ١٤٥ البيت أو الآية ١٣ يقول "ملكك أيّها المسيح ملك كلّ الدهور وسلطانك في كلّ دور فدور". الصورة أعلاه لبقايا البوّابة الجنوبيّة لسور المعبد الداخلي عام ١٩٨٣. ذكر المبشّر الإيرلندي Josias Leslie Porter عام ١٨٥٥ أيضاً نقشاً كتابيّاً آخر باسم الإمبراطور Arcadius على حجر (لم يعد له أثر) وجده شرق الجامع الأموي يذكر ترميم البناء.
إذاً الكاتدرائيّة كانت موجودة دون أدنى شكّ وأحد الإشكالات تكمن في التسمية التي يؤكّد معظم المؤرّخين أنّها للقدّيس يوحنّا المعمدان حسب الروايات القائلة بوجود رأسه مدفوناً فيها ولكن لا يوجد دليل مادّي أنّ هذه التسمية كانت موجودة قبل أواخر القرن السادس للميلاد إذ لم يذكرها حاجّ من Piacenza (مدينة إيطاليّة) في زيارته حوالي ٥٧٠.
الإشكال الثاني في موقع الكنيسة الذي اعتقد الألمانيّان Wulzinger و Watzinger أنّه يوافق الجامع الأموي حاليّاً وأنّ ما فعله الوليد لم يتجاوز تحويل البناء كما هو عمليّاً من كنيسة لجامع مع تعديلات طفيفة ليس إلّا ولو كان هذا صحيحاً (الكلام هنا للأسترالي Ross Burns) لكانت هذه الكاتدرائيّة وقتها الأكبر في العالم المسيحي قاطبة. حلّ العلّامة البريطاني K.A.C. Creswell هذه المعضلة بافتراض علّه الأقرب إلى الصواب أنّ الكنيسة شغلت قسماً من المعبد الروماني الداخلي temenos كان على الأغلب واقعاً في غرب الصحن (المخطّط أدناه) وليس المعبد بكامله كما حصل لاحقاً لدى بناء الجامع الأموي وأنّ ما جرى تقاسمه بعد الفتح الإسلامي (أي لدى بناء مسجد الصحابة) لم يكن الكنيسة وإنّما الحرم الداخلي للمعبد الروماني.
للتذكير كانت بوّابة معبد المشتري الرئيسة واقعة في الشرق (باب جيرون) وأمّا بوّابة الكنيسة أو بالأحرى الفضاء المحيط بالكنيسة (الصورة أعلاه) فكانت جنوبيّة تؤدّي إلى صحن الحرم القديم حيث تواجد مكان رأس يوحنّا (؟) شرقاً على يمين المدخل والكنيسة غرباً على اليسار. استنتاجات منطقيّة وإن لم تدعمها براهين ملموسة.
طلال العقيلي. الجامع الأموي في دمشق. دار كتب للنشر الطبعة الثانية ٢٠١٥.
Dorothée Sack. Damaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.
Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die antike Stadt. Berlin: Walter de Gruyter, 1921.
K.A.C. Creswell. A Short Account of Early Muslim Architecture. Pelican Book 1958.
Ross Burns. Damascus: A History.
No comments:
Post a Comment