Saturday, June 29, 2019

طوالع دمشق


الصورة الملحقة لطالع مياه جافّ خاصّ لأحد بيوت باب توما منذ حوالي أربعين عاماً عندما كان استعمال الطوالع قد أصبح نسياً منسيّا. من المعروف أنّ الانتقال من نظام الطوالع لشبكة المياه الحديثة التي نعرفها جرى في عهد الانتداب الفرنسي وبالتالي لربّما كان من المفيد هنا استعراض ما كتب عنها في هذه الفترة. فيما يلي ترجمّة عن الفرنسيّة توخّيتها أمينة قدر الإمكان للصفحة ٧٦ من كتاب "الجغرافية البشريّة لسورية المركزيّة" للعالم Richard Thoumin الصادر عام ١٩٣٦:

يوجد تشابه بين توزيع المياه في دمشق ونظام التروية في الغوطة إذ تطوّرت عادات مماثلة في الريف والمدينة. يمكن مقارنة البيت مع البستان والطالع (موزّع يستعمل الممصّ siphon) مع البسط bast ؟! (موزّع يستعمل عيارات تحدّدها حجارة مصفوفة إلى جانب بعضها بعضاً) ولكن توزيع المياه يلبّي احتياجات أكثر تعدّداً في المدينة منه في الواحة. يحتاج ساكن المدينة إلى مياه نظيفة وبناءً عليه استعيض عن الجداول بالتمديدات المغلقة. تشمل خدمة المنازل ليس فقط تزويدها بالمياه وإنّما أيضاً تصريف المياه المستعملة والخدمة الثانية لا تقلّ أهميّة عن الأوّلى. يصبّ قسم من مياه بانياس وتورا في شبكة التصريف الصحّي بهدف جرف القاذورات. 

يتشابه تزويد هذه التشعّبات بالمياه في كافّة الأوجه مع الأقنيّة المشتقّة من يزيد والعقرباني وكلّ منها يمرّ في موزّع (طالع) يبدأ من تمديدات يصغر قياسها شيئاً فشيئاً. تحتاج المساجد ومجموعات البيوت وأحياناً حتّى خدمة الطوابق المختلفة للمساكن عدداً لا بأس به من المحوّلات derivation والممصّات. تتجاور الطوالع في دمشق القديمة ولا يوجد زقاق يمكن المشي فيه ٥٠ متراً دون مصادفة أحدها. 

تتطلّب الاحتياجات المنزليّة وجود الماء بشكل دائم وأدّت هذه الضرورة لتمايز آخر بين شبكة المدينة وشبكة الريف. لا يتمّ إغلاق طوالع دمشق بشكل دوري كما هو الحال في الريف وتبقى أصول التمديدات مفتوحة دائماً من ناجية المبدأ. بالمقابل هناك تشابه بين دمشق والغوطة في الكيفيّة التي يتمّ فيها تحديد حصص المياه وبيعها وتأجيرها وتعقيد وتشابك تفرّعاتها وهذا يعبّر عن إرادة السوري في التوكيد على استقلاله عن جاره وخشيته أن يحرم من حقّه.   






Richard ThouminGéographie humaine de la Syrie Centrale. Tours, Arrault et Cie, Maîtres imprimeurs 1936. 

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

No comments:

Post a Comment