Friday, June 7, 2019

جامع العلم المقدّس


تواجه المترجم صعوبات جمّة عندما ينقل من لغة إلى لغة ومن أهمّها أمانة الأداء دون تشويه الفكرة بصياغة ركيكة مبعثها الإصرار على التقيّد الحرفي بالنصّ الأصلي. يتعيّن على المترجم المحترف أن يكون متمكّناً وطلقاً -وليس فقط مطّلعاً- بلغتين على الأقلّ وقد يضطّر إلى استخدام الحواشي والتعليقات إذا تعذّر عليه التعبير عن الكلمة أو الجملة بكلمة أو جملة توافقها خاصّة إذا تطلّب فهمها الإلمام بسياقها. 

ترجمة الأسماء العلم من الأخطاء الفجّة التي نقع عليها بين حين وآخر كما في حالة المحترم John Kelman في كتاب "من دمشق إلى تدمر" الصادر عام ١٩٠٨ عندما ترجم جامع السنجقدار Mosque of the Holy Flag "جامع العلم المقدّس" وهي من الناحية التقنيّة صحيحة: سنجق = راية أو علم أو بيرق ودار = حامل أو صاحب والشخص المقصود بهذا اللقب هو العبّاس بن مرداس حامل سنجق النبي محمّد. المشكلة تكمن إذا حاول زائر بريطاني سؤال أحد الدمشقييّن عن جامع "العلم المقدّس" هذا وبإمكاننا تصوّر ردّ الفعل الذي سيصادفه. يمكن بالطبع إسقاط نفس المحاكمة على المأسوف عليها كاتدرائيّة نوتردام في باريس التي يعرفها القاصي والداني بغضّ النظر عن هويّته ولغته الأمّ بهذه التسمية Notre-Dame de Paris وليس بترجمتها سواء كانت "سيّدتنا" أو Our Lady أو Madonna....

التقطت الصورة أعلاه حوالي عام ١٩٨٠ أمّا اللوحة الملوّنة فهي من كتاب Kelman المذكور  وهي بريشة الفنّانة Margaret Thomas والمئذنة التي نراه فيها هي المئذنة القديمة التي استبدلت نحو أربعينات القرن الماضي.



الجامع مملوكي بني بمبادرة من أرغون شاه عام ١٣٤٨ ويتبع الطراز القاهري ببوّابته المقرنصة الرائعة. حسب السلنامة بنيت التربة عام ١٨٠٧-١٨٠٨ (١٢٢٢ للهجرة) ولكن النقش الكتابي الحديث يعطي تاريخ البناء عام ١٣٤٩ (٧٥٠ للهجرة) والتجديد ١٥٩٩-١٦٠٠. أعيد بناء المجمّع عام ١٨٢٠-١٨٢١ واستناداً إلى السلنامة لعام ١٨٨١-١٨٨٢ والنقش الكتابي على الواجهة الشماليّة عدّل موضع التربة خلال شقّ الطريق. أزيحت الواجهة مجدّداً عام ١٩١٦ لدى توسيع شارع السنجقدار أمّا عن ترميم وطلاء القبّة فكان عام ١٩٠٢-١٩٠٣.  

يخبرنا الراحل عبد العزيز العظمة أنّ محمل الحجّ الذي يسبق سنجق النبيّ كان ينطلق من جامع أبي الدرداء في القلعة مارّاً بالأسواق المحيطة إلى جامع السنجقدار ومنه إلى المشبريّة أو السرايا العسكريّة (مكان قصر العدل حاليّاً). 




عبد العزيز العظمة. مرآة الشام. تاريخ دمشق وأهلها. رياض الريّس للكتب والنشر ١٩٨٧.


Ross Burns. Damascus: A History. Routledge 2005. 

John Kelman. From Damascus to Palmyra

Dorothée SackDamaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.

Stefan Weber. Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808-1918. Proceedings of the Danish Institute in Damascus V 2009. 





No comments:

Post a Comment