ندين للعالم والرحّالة والأسقف الإنجليزي Richard Pococke (١٧٠٤-١٧٦٥) بكتاب ضخم بعنوان "وصف الشرق" يقسم إلى مجلّدين الأوّل مخصّص لمصر والثاني -الأكبر- يقسم بدوره إلى جزئين أوّلهما يتحدّث عن فلسطين وسوريا وقبرص وكريت والثاني عن آسيا الصغرى واليونان وبعض البلدان الأوروبيّة. الأسطر التالية مكرّسة لاستعراض سريع للجزء الأوّل من المجلّد الثاني مع تركيز على دمشق وروابط المجلّدين موجودة أدناه لمن يريد التوسّع ولديه إلمام معقول باللغة الإنجليزيّة المكتوبة كما كانت في القرن الثامن عشر.
زار المؤلّف الشرق الأدنى بين الأعوام ١٧٣٧-١٧٤٢ أمّا عن الساحل السوري فقد وصله قادماً من دمياط في مصر إلى يافا عن طريق البحر في العاشر من آذار عام ١٧٣٨ ومن الطبيعي أن تستأثر فلسطين باهتمام خاصّ من قبله نظراً لأهميّتها الدينيّة للمسيحييّن وهناك أيضاً وصف مفصّل إلى درجة لا بأس بها للبنان ولكن لنقفز مباشرة إلى دمشق بيت القصيد.
أقام الكاتب في دير إسباني لرهبان القبر المقدّس (Holy Sepulchre) وحاول خلال هذه الإقامة جهده لإعطاء فكرة عن تاريخ المدينة (المتأثّر حتماً بروايات الكتاب المقدذس) وطبوغرافيّتها وأهمّ معالمها وسكّانها.
يشتقّ اسم المدينة من إليعازار الدمشقي (تكوين) وهو الخادم الذي أهداه النمرود لإبراهيم وهو ابن النمرود حسب الترجمة الآراميّة للعهد القديم أمّا المؤرّخ اليهودي الكلاسيكي Josephus (قرن أوّل ميلادي) فيرجع دمشق لعوص بن آرام بن سام بن نوح. هزم الملك داود الآرامييّن وفتح دمشق ولكنّها تمرّدت بقيادة حزيون (قرن عاشر قبل الميلاد) على سليمان وبالنتيجة برزت كقوّة منافسة لإسرائيل إلى حين سقوطها بيد الآشورييّن على يد تغلّات فلاصر الثالث. قصّة فرار القدّيس بولس من دمشق (بمساعدة البوّاب الحارس القدّيس جورج) وتعميده فيها مذكورة بالطبع مع محاولة لتقصّي خطاه في بيت يهوذا في الشارع المستقيم حيث يوجد مسجد مع ضريح القدّيس حنانيا.
أطلق Pococke على الباب الشرقي تسمية "باب القدّيس بولس" ويصف هذا الباب فيقول أنّ فتحتيه الشماليّة والوسطى سالكتان بينما الجنوبيّة مغلقة أمّا عن السور فكان مزدوجاً في مواقع معيّنة يتقدّمه الفصيل (أي سور خارجي منخفض يفصله الخندق عن السور الأساسي). يأخذنا الرحّالة بعد ذلك في جولة عبر أسواق المدينة وأزقّتها مع التعرّض لمقاهيها وبيوتها وبساتينها (لا يفوته ذكر المشمش وقمر الدين) وبعض القرى المحيطة بها ومياهها ويضيف أنّ الشوام يشربون من الينابيع وليس من ماء بردى وفروعه.
للأموي مقال خاصّ وليس هو الجامع الوحيد المذكور إذ هناك وصف سريع لجامع ومئذنة سنان باشا و"جامع ظاهر" (أي ضريح ومدرسة الظاهر بيبرس). هناك مشفى للجذام (لا مناص هنا من ذكر بيت النعمان المشهور في العهد القديم) أمّا عن التكيّة السليمانيّة فهي "أفضل مشفى في دمشق".
بعد استعراض سريع لمراكز القوى (الباشا والعسكر من المغاربة والإنكشاريّة والكابي قول) ينتقل المؤلّف إلى مسيحيّي دمشق فيقدّر عددهم بعشرين ألفاً ثمّ يوزّعهم حسب الطائفة وينبّه القارىء أنّهم "ذوي طباع سيّئة كالأتراك". الدمشقيّون عموماً كسالى ومدمنون على الملذّات. الدمشقيّ وسيم في صغره ولكنّ الحرارة وارتياد المواخير وإطلاق اللحية تجتمع فتؤدّي إلى زوال هذه الملاحة بعد البلوغ. قيل للمؤلّف أنّ نساء دمشق هنّ الأجمل في العالم وعلى ما يبدوا لم يتح له التحقّق من ذلك في مدينة شديدة المحافظة تغلق أبواب حريمها عن العالم الخارجي.
No comments:
Post a Comment