Sunday, August 4, 2019

الأسد، إسرائيل، والمعارضة السوريّة


لا أدّعي الكلام نيابة عن أحد وليس في حوزتي أرقام مبنيّة على دراسات علميّة أو إحصاء ديموغرافي من أي نوع ولكن من خلال ما قرأته على الشبكة ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن تقسيم حجج المعارضة السوريّة ضدّ حكومة الأسد (أو نظامه إذا شئت) تحت أربعة أبواب:

أوّلاً
الأسد أسوأ من إسرائيل بما لا يقاس على علّات هذه الأخيرة فهو "يقتل شعبه" ويتقصّد المدنييّن خصوصاً النساء والأطفال. قذائف الجيش السوري أو "ميليشيات الأسد الطائفيّة" تسقط على الأبرياء حصراً سواءً كانت براميل أو أسلحة كيميائيّة وهناك تيهور من "التوثيق" على اليوتوب وغيره يثبت بما لا يحتمل الشكّ هذه الجرائم وغيرها. الرئيس السوري يشنّ حرباً لا هوادة فيها ولا رحمة ضدّ الأغلبيّة السنيّة (من العبث الردّ أنّ قرينة الرئيس وأمّ أولاده سنيّة وأنّه لو كانت أغلبيّة السنّة فعلاً َضدّه لسقط "نظامه" منذ زمن).  

ثانياً
الأسد متواطىء مع إسرائيل وعندما تقصف الدولة العبريّة سوريا فهي تهدف بالدرجة الأولى إلى إعطاء غطاء أو "ورقة توت" للنظام السوري كي يستطيع المتاجرة بالحرب ضدّ الصهاينة. المنطق ذاته ينطبق على علاقات الولايات المتّحدة مع الحكومة السوريّة بغضّ النظر عن هويّة الرئيس الجالس في البيت الأبيض. حافظ الأسد "باع الجولان" عام ١٩٦٧ وقبض ثمنه. حرب تشرين أوّل ١٩٧٣ كانت تمثيليّة وكذلك محاولة الجيش السوري إيقاف الغزو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢.

ثالثاً
ليس الأسد بجادّ في حربه ضدّ داعش وغيرها من المتطرّفين. هناك تفاهم سرّي بينه وبينهم (على غرار تآمره مع إسرائيل). باختصار إذا قصف الأسد المسلّحين (الحجّة الأولى) فهو يقتل المدنييّن العزّل والشيوخ والقواصر والنساء وإذا لم يقصفهم فلغاية في نفس يعقوب ولأنّه يريد استعمال حربه المزعومة ضدّهم ليستمرّ في قمع واضطّهاد الشعب السوري تماماً كما يستغلّ عداوته الكاذبة لإسرائيل (الحجّة الثانية) لمآرب خبيثة. 

رابعاً
إسرائيل دولة كغيرها وما علينا إلّا التعايش معها سلميّاً كما فعلت مصر مثلاً واستردّت لقاء ذلك سيناء (وكما تفعل معظم الدول العربيّة سرّاً أو جهاراً وعلى رأسها دول الخليج "تزلّفاً" للولايات المتّحدة كما أقرّ وزير خارجيّة قطر السابق). يتناسى هؤلاء أنّ مصر ليست سوريا كوزن ديموغرافي وجغرافي وسياسي واقتصادي وسوقي (استراتيجي) وأنّ السلام مع مصر عنى -في جملة ما عناه- إطلاق يد إسرائيل في الشمال (سوريا ولبنان وحتّى العراق عندما قصفت إسرائيل مفاعله النووي عام ١٩٨١) والضفّة والقطاع بغضّ النظر عن نيّة الرئيس الراحل أنور السادات. تتناسى المعارضة التي تريد أن "تجنح للسلم وتتوكّل على الله" أيضاً أنّ "نظام الأسد" حاول فعلاً التفاوض مع إسرائيل بوساطة أمريكيّة ثمّ تركيّة وفشل لأنّه كان لا يستطيع أو لا يريد تقديم ما تريده إسرائيل -في عنفوان قوّتها وجبروتها- ثمناً للسلام وفي رأيي أنّه لا يقلّ عن التخلّي عن الجولان (للتذكير ضمّته إسرائيل عام ١٩٨١) والتطبيع الديبلوماسي والتجاري والثقافي (رغم فشل هذه التجربة في مصر والأردن) ومحاربة أعداء إسرائيل نيابة عنها (إيران وحزب الله). الخلاصة لو وافق الأسد على مطالب إسرائيل لما انتهت الحروب وهنا يحضرني الموقف الذي وجد لويس الرابع عشر نفسه فيه في مطلع القرن الثامن عشر بعد خسارة عدد من المعارك الكبرى في حرب الوراثة الإسبانيّة إذ فرض عليه المنتصرون (وعلى رأسهم الإنجليز)  كثمن للسلام  شروطاً تعجيزيّة بما فيها أن يعلن الحرب ضدّ حفيده ملك إسبانيا وكان جوابه على هذا "العرض" أو بالأحرى "شروط المسكوب" التالي:

 "إذا كان لا بدّ من الحرب فبالأحرى أن تكون ضدّ أعدائي وليس أطفالي":

"S'il faut faire la guerre, j'aime mieux la faire à mes ennemis qu'à mes enfants".

بناءً عليه استأنف "الملك الشمس" القتال مكره أخاك لا بطل ونجح في الفوز بمعركة حصل بعدها على شروط أفضل (*).

(*)  من نافل القول أنّ الهدف من هذه المقارنة هنا ليس أن تحدوا سوريا حدو فرنسا فالتاريخ لا يكرّر نفسه بنفس الطريقة وإلّا لهانت الأمور وسهل اتّخاذ القرار. المقصود بكل بساطة عدم الوقوع في حالة جحا وبنت السلطان: لا يكفي أن يوافق حجا وأهله (سوريا) على الزواج من بنت السلطان بل يجب أن توافق أيضاً بنت السلطان وأهلها (إسرائيل). 


No comments:

Post a Comment