كاد تيمورلنك أن يقضي على إمبراطوريّة المماليك بعد قرن ونصف من ولادتها وكان أيضاً على قاب قوسين أو أدنى من الإجهاز على الإمبراطوريّة العثمانيّة الفتيّة بعد الهزيمة الشنعاء التي ألحقها بالسلطان بايزيد يلدرم (الصاعقة) في معركة أنقرة تمّوز ١٤٠٢. علّ ما أنقذ المماليك المسافات الشاسعة التي فصلت القاهرة عن سمرقند عاصمة التتار إضافة إلى ما أسماه الأمريكي Paul Kennedy "فرط التمطّط الإمبراطوري" imperial overstretch أمّا في حال العثمانييّن فقد حالفهم الحظّ بموت تيمور عام ١٤٠٥ بعد أن قارب السبعين من العمر وتفتّت إمبراطوريّته في السنوات اللاحقة.
يخرج انتصار تيمور على العثمانييّن وحتّى أخذه دمشق عام ١٤٠١ عن الفترة التي غطّاها ابن صصرى والتي تتعلّق بالدرجة الأولى بأحداث السنوات الأخيرة من القرن الرابع عشر في دمشق والصراع على السلطة الذي خرج منه الظاهر برقوق -أوّل مماليك البرجيّة أو الشراكسة- منتصراً.
مع ذلك ذكر ابن صصرى تيمور في أكثر من مكان وإن اعتبره أمراً ثانويّاً أبعد شقّة وأقلّ خطراً رغم توالي الأنباء عن سقوط مدينة تلو المدينة وإقليم تلو الإقليم في يد الغازي الرهيب وهنا لا أملك إلّا المقارنة مع الشعر الذي أرسله نصر بن سيّار عامل خراسان إلى مروان بن محمّد محذّراً إيّاه من تفاقم الخطر العبّاسي:
أأيقاظ أميّة أم نيام؟
وصلت أنباء سقوط تبريز بيد تيمورلنك إلى القاهرة في تمّوز ١٣٨٧. سقطت بغداد عام ١٣٩٣ ثمّ استباح ملك التتار الرها وماردين في ١٣٩٤ بعد أن أرسل إلى برقوق كتاباً من الوعيد والتهديد اقتبست منه الأسطر التالية:
إعلموا أنّنا جند الله خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حلّ عليه غضبه لا نرقّ لشاكي ولا نرحم عبرة باكي قد نزع الله الرحمة من قلوبنا فالويل كلّ الويل لمن لم يكن من حزبنا قد خرّبنا البلاد ويتّمنا الأولاد وأظهرنا في الأرض الفساد...سيوفنا سواحق وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال من رامنا سلم ومن نال حربنا ندم....فإن أنتم قبلتم شرطنا وأطعتم أمرنا كان لكم مالنا وعليكم ما علينا...دعاكم علينا لا يستجاب ولا يسمع لأنّكم أكلتم الحرام .... إلخ إلخ..
وعن ردّ برقوق:
..في كلّ كتاب لعنتم وبكلّ قبيح وصفتم...ألا لعنة الله على الكافرين...فنحن المؤمنين حقّاً والقائلين صدقاً...النار لكم خلقت والجحيم لكم سعّرت...فنحن خيولنا فريقيّة وسيوفنا يمانيّة ورماحنا خطّيّة ....بأسنا شديد..فإن قتلناكم فنعم البضاعة وإن قتلنا فبيننا وبين الجنّة ساعة....إلخ إلخ..
من حسن حظّ برقوق أنّه مات عام ١٣٩٩ أي قبل سقوط دمشق وحلب بأيدي التتار أمّا عن ابن صصرى فقد كتب (!!):
ويخشى تمرلنك اللعين أن يدخل بلاد الشام أو ينال منها ما قصد ورام ولو دخلها أهلكه الله تعالى فإنّها مقرّ الأنبياء ومدينة الأولياء ما قصدها جبّار إلّا قصمه الله تعالى..
وفي مكان آخر:
ولو دخل تمرلنك إلى دمشق في هذا الزمان كان أهلكه الله تعالى كما أهلك من قبله قازان (*)....
الخارطة الملحقة لإمبراطوريّة المماليك في مطلع القرن الخامس عشر.
(*) استباح قازان أو غازان دمشق قبل تيمور بمائة عام ولكنّه على عكس هذا الأخير لم يستطع النيل من القلعة. قازان هو أوّل ملك مغولي يعتنق الإسلام.
الدرّة المضيئة في الدولة الظاهريّة
ابن صصرى ومخطوط الدرّة المضيئة في الدولة الظاهريّة
Paul Kennedy. The Rise and Fall of the Great Powers. Random House 1987.
No comments:
Post a Comment